responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2475
والحق لا يمكن أن يدور مع الهوى وبالحق تقوم السماوات والأرض، وبالحق يستقيم الناموس، وتجري السنن في هذا الكون وما فيه ومن فيه:
«وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ» ..
فالحق واحد ثابت، والأهواء كثيرة متقلبة. وبالحق الواحد يدبر الكون كله، فلا ينحرف ناموسه لهوى عارض، ولا تتخلف سنته لرغبة طارئة. ولو خضع الكون للأهواء العارضة، والرغبات الطارئة لفسد كله، ولفسد الناس معه، ولفسدت القيم والأوضاع، واختلت الموازين والمقاييس وتأرجحت كلها بين الغضب والرضى، والكره والبغض، والرغبة والرهبة، والنشاط والخمول.. وسائر ما يعرض من الأهواء والمواجد والانفعالات والتأثرات.. وبناء الكون المادي واتجاهه إلى غايته كلاهما في حاجة إلى الثبات والاستقرار والاطراد، على قاعدة ثابتة، ونهج مرسوم، لا يتخلف ولا يتأرجح ولا يحيد.
ومن هذه القاعدة الكبرى في بناء الكون وتدبيره، جعل الإسلام التشريع للحياة البشرية جزءا من الناموس الكوني، تتولاه اليد التي تدبر الكون كله وتنسق أجزاءه جميعا. والبشر جزء من هذا الكون خاضع لناموسه الكبير فأولى أن يشرع لهذا الجزء من يشرع للكون كله، ويدبره في تناسق عجيب. بذلك لا يخضع نظام البشر للأهواء فيفسد ويختل: «وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ» إنما يخضع للحق الكلي، ولتدبير صاحب التدبير.
وهذه الأمة التي جاء لها الإسلام كانت أولى الأمم باتباع الحق الذي يتمثل فيه. ففوق أنه الحق هو كذلك مجد لها وذكر. وما كان لها من ذكر لولاه في العالمين:
«بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ» ..
وقد ظلت أمة العرب لا ذكر لها في تاريخ العالم حتى جاءها الإسلام. وقد ظل ذكرها يدوي في آذان القرون طالما كانت به مستمسكة. وقد تضاءل ذكرها عند ما تخلت عنه، فلم تعد في العير ولا في النفير.
ولن يقوم لها ذكر إلا يوم أن تفيء إلى عنوانها الكبير ... !
وبعد هذا الاستطراد بمناسبة دعواهم على الحق الذي جاءهم فأعرضوا عنه واتهموه.. يعود السياق إلى استنكار موقفهم، وإلى مناقشة الشبهات التي يمكن أن تصدهم عما جاءهم به الرسول الأمين:
«أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً؟» فهم يفرون مما تسألهم من أجر على الهداية والتعليم؟! فإنك لا تطلب إليهم شيئا، فما عند ربك خير مما عندهم: «فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ» ..وماذا يطمع نبي أن ينال من البشر الضعاف الفقراء المحاويج وهو متصل بالفيض اللدني الذي لا ينضب ولا يغيض بل ماذا يطمع أتباع نبي أن ينالوا من عرض هذه الأرض وهم معلقو الأنظار والقلوب بما عند الله الذي يرزق بالكثير وبالقليل؟ ألا إنه يوم يتصل القلب بالله يتضاءل هذا الكون كله، بما فيه وكل من فيه! ألا إنما تطلب هدايتهم إلى المنهج القويم: «وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» يصلهم بالناموس الذي يحكم فطرتهم، ويصلهم بالوجود كله، ويقودهم في قافلة الوجود، إلى الخالق الوجود، في استقامة لا تحيد.
ألا وإنهم- ككل من لا يؤمنون بالآخرة- حائدون عن النهج ضالون عن الطريق: «وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ» .. فلو كانوا مهتدين لتابعوا بقلوبهم وعقولهم أطوار النشأة التي تحتم الإيمان

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2475
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست