نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2461
ومن ثم يربط بين هذه المشاهد الكونية وبين أطوار النشأة الإنسانية في سياق السورة.
«وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ» ..
والطرائق هي الطبقات بعضها فوق بعض. أو وراء بعض. وقد يكون المقصود هنا سبع مدارات فلكية.
أو سبع مجموعات نجمية كالمجموعة الشمسية. أو سبع كتل سديمية. والسدم- كما يقول الفلكيون- هي التي تكون منها المجموعات النجمية.. وعلى أية حال فهي سبع خلائق فلكية فوق البشر- أي إن مستواها أعلى من مستوى الأرض في هذا الفضاء- خلقها الله بتدبير وحكمة، وحفظها بناموس ملحوظ: «وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ» ..
«وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ» ..
وهنا تتصل تلك الطرائق السبع بالأرض. فالماء نازل من السماء وله علاقة بتلك الأفلاك. فتكوين الكون على نظامه هذا، هو الذي يسمح بنزول الماء من السماء، ويسمح كذلك بإسكانه في الأرض.
ونظرية أن المياه الجوفية ناشئة من المياه السطحية الآتية من المطر وأنها تتسرب إلى باطن الأرض فتحفظ هناك.. نظرية حديثة. فقد كان المظنون إلى وقت قريب أنه لا علاقة بين المياه الجوفية والمياه السطحية.
ولكن ها هو ذا القرآن الكريم يقرر هذه الحقيقة قبل ألف وثلاث مائة عام.
«وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ» .. بحكمة وتدبير، لا أكثر فيغرق ويفسد ولا أقل فيكون الجدب والمحل ولا في غير أوانه فيذهب بددا بلا فائدة..
«فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ» .. وما أشبهه وهو مستكن في الأرض بماء النطفة وهو مستقر في الرحم.
«فِي قَرارٍ مَكِينٍ» .. كلاهما مستقر هنالك بتدبير الله لتنشأ عنه الحياة.. وهذا من تنسيق المشاهد على طريقة القرآن في التصوير..
«وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ» .. فيغور في طبقات الأرض البعيدة بكسر أو شق في الطبقات الصخرية التي استقر عليها فحفظته. أو بغير هذا من الأسباب. فالذي أمسكه بقدرته قادر على تبديده وإضاعته. إنما هو فضل الله على الناس ونعمته.
ومن الماء تنشأ الحياة:
«فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ، لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ» ..
والنخيل والأعناب نموذجان من الحياة التي تنشأ بالماء في عالم النبات- كما ينشأ الناس من ماء النطفة في عالم الإنسان- نموذجان قريبان لتصور المخاطبين إذ ذاك بالقرآن، يشيران إلى نظائرهما الكثيرة التي تحيا بالماء.
ويخصص من الأنواع الأخرى شجرة الزيتون:
«وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ [1] لِلْآكِلِينَ» ..
وهي من أكثر الشجر فائدة بزيتها وطعامها وخشبها. وأقرب منابتها من بلاد العرب طور سيناء. عند الوادي المقدس المذكور في القرآن. لهذا ذكر هذا المنبت على وجه خاص. وهي تنبت هناك من الماء الذي [1] الصبغ: الإدام لأنه يصبغ اللقمة.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2461