responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2459
وبتلك القوة الكامنة في الخلية المستمدة من الناموس الماضي في طريقه بين التدبير والتقدير.. حتى تجيء مرحلة العظام.. «فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً» فمرحلة كسوة العظام باللحم: «فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً» .. وهنا يقف الإنسان مدهوشا أمام ما كشف عنه القرآن من حقيقة في تكوين الجنين لم تعرف على وجه الدقة إلا أخيرا بعد تقدم علم الأجنة التشريحي. ذلك أن خلايا العظام غير خلايا اللحم. وقد ثبت أن خلايا العظام هي التي تتكون أولا في الجنين. ولا تشاهد خلية واحدة من خلايا اللحم إلا بعد ظهور خلايا العظام، وتمام الهيكل العظمي للجنين.
وهي الحقيقة التي يسجلها النص القرآني: «فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً، فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً» .. فسبحان العليم الخبير! «ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ» .. هذا هو الإنسان ذو الخصائص المتميزة. فجنين الإنسان يشبه جنين الحيوان في أطواره الجسدية. ولكن جنين الإنسان ينشأ خلقا آخر، ويتحول إلى تلك الخليقة المتميزة، المستعدة للارتقاء. ويبقى جنين الحيوان في مرتبة الحيوان، مجردا من خصائص الارتقاء والكمال، التي يمتاز بها جنين الإنسان.
إن الجنين الإنساني مزود بخصائص معينة هي التي تسلك به طريقه الإنساني فيما بعد. وهو ينشأ «خَلْقاً آخَرَ» في آخر أطواره الجنينية بينما يقف الجنين الحيواني عند التطور الحيواني لأنه غير مزود بتلك الخصائص.
ومن ثم فإنه لا يمكن أن يتجاوز الحيوان مرتبته الحيوانية، فيتطور إلى مرتبة الإنسان تطورا آليا- كما تقول النظريات المادية- فهما نوعان مختلفان. اختلفا بتلك النفخة الإلهية التي بها صارت سلالة الطين إنسانا. واختلفا بعد ذلك بتلك الخصائص المعينة الناشئة من تلك النفخة والتي ينشأ بها الجنين الإنساني «خَلْقاً آخَرَ» . إنما الإنسان والحيوان يتشابهان في التكوين الحيواني ثم يبقى الحيوان حيوانا في مكانه لا يتعداه. ويتحول الإنسان خلقا آخر قابلا لما هو مهيأ له من الكمال. بواسطة خصائص مميزة، وهبها له الله عن تدبير مقصود لا عن طريق تطور آلي من نوع الحيوان إلى نوع الإنسان [1] .
«فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ» .. وليس هناك من يخلق سوى الله. فأحسن هنا ليست للتفضيل، إنما هي للحسن المطلق في خلق الله.
«فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ» .. الذي أودع فطرة الإنسان تلك القدرة على السير في هذه الأطوار، وفق السنة التي لا تتبدل ولا تنحرف ولا تتخلف، حتى تبلغ بالإنسان ما هو مقدر له من مراتب الكمال الإنساني، على أدق ما يكون النظام! وإن الناس ليقفون دهشين أمام ما يسمونه «معجزات العلم» حين يصنع الإنسان جهازا يتبع طريقا خاصا في تحركه، دون تدخل مباشر من الإنسان.. فأين هذا من سير الجنين في مراحله تلك وأطواره وتحولاته،

[1] تقوم نظرية النشوء والارتقاء على أساس مناقض. إذ تفترض أن الإنسان ليس إلا طورا من أطوار الترقي الحيوانية. وتفترض أن الحيوان يحمل خصائص التطور إلى مرتبة الإنسان. والواقع المشهود يكذب هذا الفرض لتفسير الصلة بين الحيوان والإنسان. ويقرر أن الحيوان لا يحمل هذه الخصائص. فيقف دائما عند حدود جنسه الحيواني لا يتعداه. وقد يثبت تطوره الحيواني على نحو ما يقول دارون أو على أي نحو آخر. ولكن يبقى النوع الإنساني متميزا بأنه يحمل خصائص معينة تجعل منه إنسانا ليست نتيجة تطور آلي. إنما هي هبة مقصودة من قوة خارجية.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2459
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست