responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2445
«اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ. إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ. يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ. وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ» .
فعن صاحب القوة العزيز الجناب يصدر الاختيار للملائكة والرسل. ومن لدن القوي العزيز جاء محمد- صلى الله عليه وسلم- جاء بسلطان من عند القوي العزيز الذي اختاره واصطفاه. فأنّى يقف له من يركنون إلى تلك الآلهة العاجزة الضعيفة المزدراة؟! «إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ» .. فهو يسمع ويرى فيعلم «يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ» علما شاملا كاملا، لا يند عنه حاضر ولا غائب، ولا قريب ولا بعيد.
«وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ» .. فهو الحكم الأخير، وله السيطرة والتدبير.
والآن وقد كشف عما في منسك المشركين من سخف وضعف وعما في عبادتهم من قصور وجهل..
الآن يتوجه بالخطاب إلى الأمة المسلمة، لتنهض بتكاليف دعوتها، وتستقيم على نهجها العريق القويم:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا، وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ، وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ. هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ. فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ، وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ، فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ»
..
وفي هاتين الآيتين يجمع المنهاج الذي رسمه الله لهذه الأمة، ويلخص تكاليفها التي ناطها بها، ويقرر مكانها الذي قدره لها، ويثبت جذورها في الماضي والحاضر والمستقبل، متى استقامت على النهج الذي أراده لها الله.
إنه يبدأ بأمر الذين آمنوا بالركوع والسجود. وهما ركنا الصلاة البارزان. ويكني عن الصلاة بالركوع والسجود ليمنحها صورة بارزة، وحركة ظاهرة في التعبير، ترسمها مشهدا شاخصا، وهيئة منظورة. لأن التعبير على هذا النحو أوقع أثرا وأقوى استجاشة للشعور [1] .
ويثني بالأمر العام بالعبادة. وهي أشمل من الصلاة. فعبادة الله تشمل الفرائض كلها وتزيد عليها كذلك كل عمل وكل حركة وكل خالجة يتوجه بها الفرد إلى الله. فكل نشاط الإنسان في الحياة يمكن أن يتحول إلى عبادة متى توجه القلب به إلى الله. حتى لذائذه التي ينالها من طيبات الحياة بلفتة صغيرة تصبح عبادات تكتب له بها حسنات. وما عليه إلا أن يذكر الله الذي أنعم بها، وينوي بها أن يتقوى على طاعته وعبادته فإذا هي عبادات وحسنات، ولم يتحول في طبيعتها شيء، ولكن تحول القصد منها والاتجاه! ويختم بفعل الخير عامة، في التعامل مع الناس بعد التعامل مع الله بالصلاة والعبادة..
يأمر الأمة المسلمة بهذا رجاء أن تفلح. فهذه هي أسباب الفلاح.. العبادة تصلها بالله فتقوم حياتها على قاعدة ثابتة وطريق واصل. وفعل الخير يؤدي إلى استقامة الحياة، الجماعية على قاعدة من الإيمان وأصالة الاتجاه.
فإذا استعدت الأمة المسلمة بهذه العدة من الصلة بالله واستقامة الحياة، فاستقام ضميرها واستقامت حياتها..
نهضت بالتبعة الشاقة:

[1] يراجع فصل: «طريقة القرآن» في كتاب «التصوير الفني في القرآن» . «دار الشروق» .
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2445
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست