responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2418
بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ»
.. فما بال من يريد ويفعل؟ إن التعبير يهدد ويتوعد على مجرد الإرادة زيادة في التحذير، ومبالغة في التوكيد. وذلك من دقائق التعبير.
ومن دقائق التعبير كذلك أن يحذف خبر إن في الجملة: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ ... » فلا يذكرهم مالهم؟ ما شأنهم؟ ما جزاؤهم كأن مجرد ذكر هذا الوصف لهم يغني عن كل شيء آخر في شأنهم، ويقرر أمرهم ومصيرهم! ثم يرجع إلى نشأة هذا البيت الحرام، الذي يستبد به المشركون، يعبدون فيه الأصنام، ويمنعون منه الموحدين بالله، المتطهرين من الشرك.. يرجع إلى نشأته على يد إبراهيم- عليه السلام- بتوجيه ربه وإرشاده.
ويرجع إلى القاعدة التي أقيم عليها وهي قاعدة التوحيد. وإلى الغرض من إقامته وهو عبادة الله الواحد، وتخصيصه للطائفين به والقائمين لله فيه:
«وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً، وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ. وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ، وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ، فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ. ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ» ..
فللتوحيد أقيم هذا البيت منذ أول لحظة. عرف الله مكانه لإبراهيم- عليه السلام- وملكه أمره ليقيمه على هذا الأساس: «أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً» فهو بيت الله وحده دون سواه. وليطهره به من الحجيج، والقائمين فيه للصلاة: «وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ» فهؤلاء هم الذين أنشئ البيت لهم، لا لمن يشركون بالله، ويتوجهون بالعبادة إلى سواه.
ثم أمر الله إبراهيم عليه السلام- باني البيت- إذا فرغ من إقامته على الأساس الذي كلف به أن يؤذن في الناس بالحج وأن يدعوهم إلى بيت الله الحرام ووعده أن يلبي الناس دعوته، فيتقاطرون على البيت من كل فج، رجالا يسعون على أقدامهم، وركوبا «عَلى كُلِّ ضامِرٍ» جهده السير فضمر من الجهد والجوع: «وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ» ..
وما يزال وعد الله يتحقق منذ إبراهيم- عليه السلام- إلى اليوم والغد. وما تزال أفئدة من الناس تهوى إلى البيت الحرام وترف إلى رؤيته والطواف به.. الغني القادر الذي يجد الظهر يركبه ووسيلة الركوب المختلفة تنقله والفقير المعدم الذي لا يجد إلا قدميه. وعشرات الألوف من هؤلاء يتقاطرون من فجاج الأرض البعيدة تلبية لدعوة الله التي أذن بها إبراهيم- عليه السلام- منذ آلاف الأعوام..
ويقف السياق عند بعض معالم الحج وغاياته:
«لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ، وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ. ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ» ..
والمنافع التي يشهدها الحجيج كثير. فالحج موسم ومؤتمر. الحج موسم تجارة وموسم عبادة. والحج مؤتمر اجتماع وتعارف، ومؤتمر تنسيق وتعاون. وهو الفريضة التي تلتقي فيها الدنيا والآخرة كما تلتقي فيها ذكريات العقيدة البعيدة والقريبة.. أصحاب السلع والتجارة يجدون في موسم الحج سوقا رائجة، حيث

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2418
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست