نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2403
وهو وحده يعلم متى يأخذكم بعذابه في الدنيا أو في الآخرة سواء. وهو يعلم سركم وجهركم، فما يخفى عليه منكم خافية:
«إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ، وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ» ..
فأمركم كله مكشوف له، وحين يعذبكم يعذبكم بما يعلم من أمركم ظاهره وخافيه. وإذا أخر عنكم العذاب فحكمة تأخيره عند الله:
«وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ» ..
وما أدري ما يريد الله بهذا التأخير. فلعله يريد أن يكون فتنة لكم وابتلاء، فيمتعكم إلى أجل، ثم يأخذكم أخذ عزيز مقتدر.
وبهذا التجهيل يلمس قلوبهم لمسة قوية، ويدعهم يتوقعون كل احتمال، ويتوجسون خيفة من المفاجأة التي تأخذهم بغتة. وتوقظ قلوبهم من غفلة المتاع فلعل وراءه الفتنة والبلاء. وتوقع العذاب على غير موعد مضروب كفيل بأن يترك النفس متوجسة، والأعصاب متوفزة، ترتقب في كل لحظة أن يرفع الستار المسدل، عن الغيب المخبوء.
وإن القلب البشري ليغفل عما ينتظره من غيب الله، وإن المتاع ليخدع، فينسى الإنسان أن وراء الستار المسدل ما وراءه مما لا يدريه ولا يكشف عنه إلا الله في موعده المغيب المجهول.
فهذا الإنذار يرد القلوب إلى اليقظة، ويعذر إليها بين يدي الله قبل فوات الأوان.
وهنا يتوجه الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى ربه. وقد أدى الأمانة، وبلغ الرسالة. وآذنهم على سواء، وحذرهم بغتة البلاء.. يتوجه إلى ربه الرحمن يطلب حكمه الحق بينه وبين المستهزئين الغافلين، ويستعينه على كيدهم وتكذيبهم. وهو وحده المستعان:
«قالَ: رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ، وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ» ..
وصفة الرحمة الكبيرة هنا ذات مدلول. فهو الذي أرسله رحمة للعالمين، فكذب به المكذبون واستهزأ به المستهزءون. وهو الكفيل بأن يرحم رسوله ويعينه على ما يصفون.
وبهذا المقطع القوي تختم السورة كما بدأت بذلك المطلع القوي. فيتقابل طرفاها في إيقاع نافذ قوي مثير عميق.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2403