responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2399
«يا وَيْلَنا! قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا. بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ» ..
وهو تفجع المفجوء الذي تتكشف له الحقيقة المروعة بغتة فيذهل ويشخص بصره فلا يطرف، ويدعو بالويل والهلاك، ويعترف ويندم، ولكن بعد فوات الأوان! وحين يصدر هذا الاعتراف في ذهول المفاجأة يصدر الحكم القاطع الذي لا مرد له:
«إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ» ..
وكأنما هم اللحظة في ساحة العرض، يردون جهنم هم وآلهتهم المدعاة وكأنما هم يقذفون فيها قذفا بلا رفق ولا أناة وكأنما تحصب بهم حصبا كما تحصب بالنواة! وعندئذ يوجه إليهم البرهان على كذب ما يدعون لها من كونها آلهة. يوجه إليهم البرهان من هذا الواقع المشهود:
«لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها» ..
وهو برهان وجداني ينتزع من هذا المشهد المعروض عليهم في الدنيا، وكأنما هو واقع في الآخرة.. ثم يستمر السياق على أنهم قد وردوا جهنم فعلا، فيصف مقامهم فيها، ويصور حالهم هناك وهي حال المكروب المذهوب بإدراكه من هول ما هو فيه:
«وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ. لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ، وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ» .
وندع هؤلاء لنجد المؤمنين في نجوة من هذا كله، قد سبقت لهم الحسنى من الله، وقدر لهم الفوز والنجاة:
«إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ. لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ» ..
ولفظة «حَسِيسَها» من الألفاظ المصورة بجرسها لمعناها. فهو تنقل صوت النار وهي تسري وتحرق، وتحدث ذلك الصوت المفزع. وإنه لصوت يتفزع له الجلد ويقشعر. ولذلك نجي الذين سبقت لهم الحسنى من سماعه- فضلا على معاناته- نجوا من الفزع الأكبر الذي يذهل المشركين. وعاشوا فيما تشتهي أنفسهم من أمن ونعيم. وتتولى الملائكة استقبالهم بالترحيب، ومصاحبتهم لتطمئن قلوبهم في جو الفزع المرهوب:
«لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ، وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ. هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ» ..
ويختم المشهد بمنظر الكون الذي آل إليه. وهو يشارك في تصوير الهول الآخذ بزمام القلوب، وبزمام الكائنات كلها في ذلك اليوم العصيب:
«يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ» ..
فإذا السماء مطوية كما يطوي خازن الصحائف صحائفه وقد قضي الأمر، وانتهى العرض، وطوي الكون الذي كان يألفه الإنسان.. وإذا عالم جديد وكون جديد:
«كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ» .. «وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ» ..
ومن هذا المشهد المصور لنهاية الكون والأحياء في الآخرة يعود السياق لبيان سنة الله في وراثة الأرض، وصيرورتها للصالحين من عبادة في الحياة. وبين المشهدين مناسبة وارتباط:
«وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ» ..
والزبور إما أن يكون كتابا بعينه هو الذي أوتيه داود عليه السلام. ويكون الذكر إذن هو التوراة التي

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2399
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست