responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2393
ولكننا لا نملك على هذا دليلا. فلنعلم أنه كان من الصابرين على نحو من أنحاء الصبر الذي يستحق التسجيل في كتاب الله الباقي.
وأما ذو الكفل فهو كذلك مجهول لا نملك تحديد زمانه ولا مكانه. والأرجح أنه من أنبياء بني إسرائيل.
وقيل: إنه من صالحيهم، وأنه تكفل لأحد أنبيائهم قبل موت هذا النبي، بأن يخلفه في بني إسرائيل على أن يتكفل بثلاث: أن يقوم الليل ويصوم النهار ولا يغضب في القضاء. فوفى بما تكفل به وسمي ذا الكفل لذاك- ولكن هذه ليست سوى أقوال لا دليل عليها. والنص القرآني يكفي في هذا الموضع لتسجيل صفة الصبر لذي الكفل.
«وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ» .. وهذا هو المقصود بذكرهم في هذا السياق.
ثم تجيء قصة يونس- عليه السلام- وهو ذو النون.
«وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً. فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ. فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ. وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ» ..
وقصة يونس تأتي هنا في صورة إشارة سريعة مراعاة للتناسق في السياق، وتفصل في سورة الصافات.
ولكن لا بد لنا من بعض التفصيل هنا لهذه الإشارة كي تكون مفهومة.
لقد سمي ذا النون- أي صاحب الحوت- لأن الحوت التقمه ثم نبذه. وقصة ذلك أنه أرسل إلى قرية فدعا أهلها إلى الله فاستعصوا عليه، فضاق بهم صدرا، وغادرهم مغاضبا، ولم يصبر على معاناة الدعوة معهم. ظانا أن الله لن يضيق عليه الأرض، فهي فسيحة، والقرى كثيرة، والأقوام متعددون. وما دام هؤلاء يستعصون على الدعوة، فسيوجهه الله إلى قوم آخرين.
ذلك معنى «فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ» أي أن لن نضيق عليه.
وقاده غضبه الجامح، وضيقه الخانق، إلى شاطىء البحر، فوجد سفينة مشحونة فركب فيها. حتى إذا كانت في اللجة ثقلت، وقال ربانها: إنه لا بد من إلقاء أحد ركابها في البحر لينجو سائر من فيها من الغرق.
فساهموا فجاء السهم على يونس، فألقوه أو ألقى هو بنفسه. فالتقمه الحوت. مضيقا عليه أشد الضيق! فلما كان في الظلمات: ظلمة جوف الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل نادى: «أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ» . فاستجاب الله دعاءه، ونجاه من الغم الذي هو فيه. ولفظه الحوت على الساحل. ثم كان من أمره ما يفصله في سورة الصافات. فحسبنا هذا في هذا السياق.
إن في هذه الحلقة من قصة يونس- عليه السلام- لفتات ولمسات نقف أمامها لحظات.
إن يونس لم يصبر على تكاليف الرسالة، فضاق صدرا بالقوم، وألقى عبء الدعوة، وذهب مغاضبا، ضيق الصدر، حرج النفس فأوقعه الله في الضيق الذي تهون إلى جانبه مضايقات المكذبين. ولولا أن ثاب إلى ربه! واعترف بظلمه لنفسه ودعوته وواجبه. لما فرج الله عنه هذا الضيق. ولكنها القدرة حفظته ونجته من الغم الذي يعانيه.
وأصحاب الدعوات لا بد أن يحتملوا تكاليفها، وأن يصبروا على التكذيب بها، والإيذاء من أجلها.
وتكذيب الصادق الواثق مرير على النفس حقا. ولكنه بعض تكاليف الرسالة. فلا بد لمن يكلفون حمل

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2393
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست