نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2391
«وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ. وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ. وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ» ..
وتدور حول سليمان روايات وتصورات وأقاويل، معظمها مستمد من الإسرائيليات والتخيلات والأوهام.
ولكن لا نضل في هذا التيه. فإننا نقف عند حدود النصوص القرآنية وليس وراءها أثر مستيقن في قصة سليمان بالذات.
والنص القرآني هنا يقرر تسخير الريح- وهي عاصفة- لسليمان، تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها.
وهي في الغالب الشام لسبق الإشارة إليها بهذه الصفة في قصة إبراهيم.. فكيف كان هذا التسخير؟
هنالك قصة بساط الريح الذي قيل: إن سليمان كان يجلس عليه وهو وحاشيته فيطير بهم إلى الشام في فترة وجيزة. وهي مسافة كانت تقطع في شهر على الجمال. ثم يعود كذلك.. وتستند هذه الرواية إلى ما ورد في سورة «سبأ» من قوله: «وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ» ..
ولكن القرآن لم يذكر شيئا عن بساط الريح ذاك ولم يرد ذكره كذلك في أي أثر مستيقن. فليس لنا ما نستند عليه لنقرر مسألة البساط.
والأسلم إذن أن نفسر تسخير الريح بتوجيهها- بأمر الله- إلى الأرض المباركة في دورة تستغرق شهرا طردا وعكسا.. كيف؟ لقد قلنا: إن القدرة الإلهية الطليقة لا تسأل كيف؟ فخلق النواميس وتوجيهها هو من اختصاص تلك القدرة الطليقة. والمعلوم للبشر من نواميس الوجود قليل. ولا يمتنع أن تكون هناك نواميس أخرى خفية على البشر تعمل، وتظهر آثارها عند ما يؤذن لها بالظهور: «وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ» ..
العلم المطلق لا كعلم البشر المحدود.
وكذلك تسخير الجن لسليمان- عليه السلام- ليغوصوا في أعماق البحر أو أعماق اليابسة. ويستخرجوا كنوزها المخبوءة لسليمان أو ليعملوا له أعمالا غير هذا وذاك.. فالجن كل ما خفي. وقد قررت النصوص القرآنية أن هناك خلقا يسمون الجن خافين علينا، فمن هؤلاء سخر الله لسليمان من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك. وحفظهم فلا يهربون ولا يفسدون ولا يخرجون على طاعة عبده. وهو القاهر فوق عباده يسخرهم حين يشاء كيف يشاء.
وعند هذا الحد المأمون نقف في ظلال النصوص. فلا نسبح في الإسرائيليات.
لقد ابتلى الله داود وسليمان- عليهما السلام- بالسراء. وفتنتهما في هذه النعمة. فتن داود في القضاء.
وفتن سليمان بالخيل الصافنات- كما سيأتي في سورة ص- فلا نتعرض هنا لتفصيلات الفتنة حتى يأتي ذكرها في موضعها. إنما نخلص إلى نتائجها.. لقد صبر داود، وصبر سليمان للابتلاء بالنعمة- بعد الاستغفار من الفتنة- واجتازا الامتحان في النهاية بسلام فكانا شاكرين لنعمة الله.
والآن نجيء إلى الابتلاء بالضراء في قصة أيوب عليه السلام:
«وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ، وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ، وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ، رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ» ..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2391