نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2389
وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ»
..
وقصة لوط قد سبقت مفصلة. وهو يشير إليها هنا مجرد إشارة. وقد صحب عمه إبراهيم من العراق إلى الشام، وأقام في قرية سدوم. وكانت تعمل الخبائث. وهي إتيان الفاحشة مع الذكور جهرة وبلا حياء أو تحرج. فأهلك الله القرية وأهلها: «إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ» . وأنجى لوطا وأهله إلا امرأته. «وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ» .. وكأنما الرحمة مأوى وملاذ يدخل الله فيه من يشاء، فإذا هو آمن ناعم مرحوم.
ويشير إلى نوح إشارة سريعة كذلك:
«وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ، فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ. وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا، إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ» ..
وهي إشارة كذلك لا تفصيل فيها. لإثبات استجابة الله لنوح- عليه السلام- حين ناداه «مِنْ قَبْلُ» وهو سابق لإبراهيم ولوط. ولقد أنجاه الله وأهله كذلك. إلا امرأته، وأهلك قومه بالطوفان وهو «الْكَرْبِ الْعَظِيمِ» الذي وصفه بالتفصيل في سورة هود.
ثم يفصل بعض الشيء في حلقة من قصة داود وسليمان:
«وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ. فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ. وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً. وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ. وَكُنَّا فاعِلِينَ. وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ، فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ؟» .
«وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها، وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ. وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ، وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ، وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ» ..
وقصة الحرث التي حكم فيها داود وسليمان يقول الرواة في تفصيلها: إن رجلين دخلا على داود، أحدهما صاحب حرث أي حقل وقيل حديقة كرم- والآخر صاحب غنم. فقال صاحب الحرث: إن غنم هذا قد نفشت في حرثي- أي انطلقت فيه ليلا- فلم تبق منه شيئا. فحكم داود لصاحب الحرث أن يأخذ غنم خصمه في مقابل حرثه.. ومر صاحب الغنم بسليمان فأخبره بقضاء داود. فدخل سليمان على أبيه فقال: يا نبي الله إن القضاء غير ما قضيت. فقال: كيف؟ قال: ادفع الغنم إلى صاحب الحرث لينتفع بها، وادفع الحرث إلى صاحب الغنم ليقوم عليه حتى يعود كما كان. ثم يعيد كل منهما إلى صاحبه ما تحت يده. فيأخذ صاحب الحرث حرثه، وصاحب الغنم غنمه.. فقال داود: القضاء ما قضيت. وأمضي حكم سليمان.
وكان حكم داود وحكم سليمان في القضية اجتهادا منهما. وكان الله حاضرا حكمهما، فألهم سليمان حكما أحكم، وفهمه ذلك الوجه وهو أصوب.
لقد اتجه داود في حكمه إلى مجرد التعويض لصاحب الحرث. وهذا عدل فحسب. ولكن حكم سليمان تضمن مع العدل البناء والتعمير، وجعل العدل دافعا إلى البناء والتعمير. وهذا هو العدل الحي الإيجابي في صورته البانية الدافعة. وهو فتح من الله وإلهام يهبه من يشاء.
ولقد أوتي داود وسليمان كلاهما الحكمة والعلم: «وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً» .. وليس في قضاء داود من
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2389