نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2377
هنا مع الإشارة إلى الاهتداء يصور الحقيقة الواقعة أولا، ثم يشير من طرف خفي إلى شأن آخر في عالم العقيدة. فلعلهم يهتدون إلى سبيل يقودهم إلى الإيمان، كما يهتدون في فجاج الجبال! «وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً» ..
والسماء كل ما علا. ونحن نرى فوقنا ما يشبه السقف. والقرآن يقرر أن السماء سقف محفوظ. محفوظ من الخلل بالنظام الكوني الدقيق. ومحفوظ من الدنس باعتباره رمزا للعلو الذي تتنزل منه آيات الله..
«وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ» ..
«وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ» .
والليل والنهار ظاهرتان كونيتان. والشمس والقمر جرمان هائلان لهما علاقة وثيقة بحياة الإنسان في الأرض. وبالحياة كلها.. والتأمل في توالي الليل والنهار، وفي حركة الشمس والقمر. بهذه الدقة التي لا تختل مرة وبهذا الاطراد الذي لا يكف لحظة.. جدير بأن يهدي القلب إلى وحدة الناموس، ووحدة الإرادة، ووحدة الخالق المدبر القدير.
وفي نهاية الشوط يربط السياق بين نواميس الكون في خلقه وتكوينه وتصريفه ونواميس الحياة البشرية في طبيعتها ونهايتها ومصيرها:
«وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ. أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ؟ كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ، وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً، وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ» ..
وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد. فكل حادث فهو فان. وكل ما له بدء فله نهاية. وإذا كان الرسول- صلى الله عليه وسلم- يموت فهل هم يخلدون؟ وإذا كانوا لا يخلدون فما لهم لا يعلمون عمل أهل الموتى؟
وما لهم لا يتبصرون ولا يتدبرون؟
«كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ» . هذا هو الناموس الذي يحكم الحياة. وهذه هي السنة التي ليس لها استثناء.
فما أجدر الأحياء أن يحسبوا حساب هذا المذاق! إنه الموت نهاية كل حي، وعاقبة المطاف للرحلة القصيرة على الأرض. وإلى الله يرجع الجميع. فأما ما يصيب الإنسان في أثناء الرحلة من خير وشر فهو فتنة له وابتلاء:
«وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً» ..
والابتلاء بالشر مفهوم أمره. ليتكشف مدى احتمال المبتلى، ومدى صبره على الضر، ومدى ثقته في ربه، ورجائه في رحمته.. فأما الابتلاء بالخير فهو في حاجة إلى بيان..
إن الابتلاء بالخير أشد وطأة، وإن خيل للناس أنه دون الابتلاء بالشر..
إن كثيرين يصمدون للابتلاء بالشر ولكن القلة القليلة هي التي تصمد للابتلاء بالخير.
كثيرون يصبرون على الابتلاء بالمرض والضعف. ولكن قليلين هم الذين يصبرون على الابتلاء بالصحة والقدرة. ويكبحون جماح القوة الهائجة في كيانهم الجامحة في أوصالهم.
كثيرون يصبرون على الفقر والحرمان فلا تتهاوى نفوسهم ولا تذل. ولكن قليلين هم الذين يصبرون على الثراء والوجدان. وما يغريان به من متاع، وما يثير انه من شهوات وأطماع!
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2377