نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2375
إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ. كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ»
..
ودعوى البنوة لله- سبحانه- دعوى اتخذت لها عدة صور في الجاهليات المختلفة. فقد عرفت عند مشركي العرب في صورة بنوة الملائكة لله. وعند مشركي اليهود في صورة بنوة العزير لله. وعند مشركي النصارى في صورة بنوة المسيح لله.. وكلها من انحرافات الجاهلية في شتى الصور والعصور.
والمفهوم أن الذي يعنيه السياق هنا هو دعوى العرب في بنوة الملائكة. وهو يرد عليهم ببيان طبيعة الملائكة.
فهم ليسوا بنات لله- كما يزعمون- «بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ» عند الله. لا يقترحون عليه شيئا تأدبا وطاعة وإجلالا. إنما يعملون بأمره لا يناقشون. وعلم الله بهم محيط. ولا يتقدمون بالشفاعة إلا لمن ارتضاه الله ورضي أن يقبل الشفاعة فيه. وهم بطبيعتهم خائفون لله مشفقون من خشيته- على قربهم وطهارتهم وطاعتهم التي لا استثناء فيها ولا انحراف عنها. وهم لا يدعون الألوهية قطعا. ولو ادعوها- جدلا- لكان جزاؤهم جزاء من يدعي الألوهية كائنا من كان، وهو جهنم. فذلك جزاء الظالمين الذين يدعون هذه الدعوى الظالمة لكل حق، ولكل أحد، ولكل شيء في هذا الوجود.
وكذلك تبدو دعوى المشركين في صورتها هذه واهية مستنكرة مستبعدة، لا يدعيها أحد. ولو ادعاها لذاق جزاءها الأليم! وكذلك يلمس الوجدان بمشهد الملائكة طائعين لله، مشفقين من خشيته. بينما المشركون يتطاولون ويدعون! وعند هذا الحد من عرض الأدلة الكونية الشاهدة بالوحدة والأدلة النقلية النافية للتعدد والأدلة الوجدانية التي تلمس القلوب.. يجول السياق بالقلب البشري في مجالي الكون الضخمة، ويد القدرة تدبره بحكمة، وهم معرضون عن آياتها المعروضة على الأنظار والقلوب:
«أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما. وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ؟ وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ، وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ. وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ. كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ» ..
إنها جولة في الكون المعروض للأنظار، والقلوب غافلة عن آياته الكبار، وفيها ما يحير اللب حين يتأمله بالبصيرة المفتوحة والقلب الواعي والحس اليقظ.
وتقريره أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقتا، مسألة جديرة بالتأمل، كلما تقدمت النظريات الفلكية في محاولة تفسير الظواهر الكونية، فحامت حول هذه الحقيقة التي أوردها القرآن الكريم منذ أكثر من ثلاث مائة وألف عام.
فالنظرية القائمة اليوم هي أن المجموعات النجمية- كالمجموعة الشمسية المؤلفة من الشمس وتوابعها ومنها الأرض والقمر.. كانت سديما. ثم انفصلت وأخذت أشكالها الكروية وأن الأرض كانت قطعة من الشمس ثم انفصلت عنها وبردت..
ولكن هذه ليست سوى نظرية فلكية. تقوم اليوم وقد تنقض غدا. وتقوم نظرية أخرى تصلح لتفسير الظواهر الكونية بفرض آخر يتحول إلى نظرية..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2375