نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2349
«قالَ: فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ؟» .. أي ما شأنك وما قصتك. وهذه الصيغة تشير إلى جسامة الأمر، وعظم الفعلة.
«قالَ: بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ، فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها. وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي» ..
وتتكاثر الروايات حول قول السامريّ هذا. فما هو الذي بصر به؟ ومن هو الرسول الذي قبض قبضة من أثره فنبذها؟ وما علاقة هذا بعجل الذهب الذي صنعه؟ وما أثر هذه القبضة فيه؟
والذي يتردد كثيرا في هذه الروايات أنه رأى جبريل- عليه السلام- وهو في صورته التي ينزل بها إلى الأرض فقبض قبضة من تحت قدمه، أو من تحت حافر فرسه، فألقاها على عجل الذهب، فكان له هذا الخوار. أو إنها هي التي أحالت كوم الذهب عجلا له خوار..
والقرآن لا يقرر هنا حقيقة ما حدث، إنما هو يحكي قول السامري مجرد حكاية.. ونحن نميل إلى اعتبار هذا عذرا من السامريّ وتملصا من تبعة ما حدث. وأنه هو صنع العجل من الذهب الذي قذفه بنو إسرائيل من زينة المصريين التي أخذوها معهم، وأنه صنعه بطريقة تجعل الريح تصوت في فراغه فتحدث صوتا كالخوار.
ثم قال حكاية أثر الرسول يبرر بها موقفه، ويرجع الأمر إلى فطنته إلى أثر الرسول! وعلى أية حال فقد أعلنه موسى- عليه السلام- بالطرد من جماعة بني إسرائيل. مدة حياته. ووكل أمره بعد ذلك إلى الله. وواجهه بعنف في أمر إلهه الذي صنعه بيده. ليرى قومه بالدليل المادي أنه ليس إلها، فهو لا يحمي صانعه، ولا يدفع عن نفسه:
«قالَ: فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ: لا مِساسَ. وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ. وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً، لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً» ..
اذهب مطرودا لا يمسك أحد لا بسوء ولا بخير ولا تمس أحدا- وكانت هذه إحدى العقوبات في ديانة موسى. عقوبة العزل، وإعلان دنس المدنس فلا يقربه أحد ولا يقرب أحدا- أما الموعد الآخر فهو موعد العقوبة والجزاء عند الله.. وفي حنق وعنف أمر أن يهوى على عجل الذهب، فيحرق وينسف ويلقى في الماء. والعنف إحدى سمات موسى- عليه السلام- وهو هنا غضبة لله ولدين الله، حيث يستحب العنف وتحسن الشدة.
وعلى مشهد الإله المزيف يحرق وينسف، يعلن موسى- عليه السلام- حقيقة العقيدة.
«إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ. وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً» .
وينتهي بهذا الإعلان هذا القدر من قصة موسى في هذه السورة. تتجلى فيه رحمة الله ورعايته بحملة دعوته وعباده. حتى عند ما يبتلون فيخطئون. ولا يزيد السياق شيئا من مراحل القصة بعد هذا، لأنه بعد ذلك يقع العذاب على بني إسرائيل بما يرتكبون من آثام وفساد وطغيان. وجو السورة هو جو الرحمة والرعاية بالمختارين. فلا حاجة إلى عرض مشاهد أخرى من القصة في هذا الجو الظليل.