نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2341
وهنا يسدل الستار ليرفع على مشهد المباراة:
«فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى» ..
ويجمل السياق في هذا التعبير كل ما قاله فرعون وما أشار به الملأ من قومه، وما دار بينه وبين السحرة من تشجيع وتحميس ووعد بالمكافأة، وما فكر فيه وما دبر هو ومستشاروه.. يجمله في جملة: فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى. وتصور تلك الآية الواحدة القصيرة ثلاث حركات متواليات: ذهاب فرعون، وجمع كيده، والإتيان به.
ورأى موسى- عليه السلام- قبل الدخول في المباراة أن يبذل لهم النصيحة، وأن يحذرهم عاقبة الكذب والافتراء على الله، لعلهم يثوبون إلى الهدى، ويدعون التحدي بالسحر والسحر افتراء:
«قالَ لَهُمْ مُوسى: وَيْلَكُمْ! لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ [1] بِعَذابٍ، وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى» .
والكلمة الصادقة تلمس بعض القلوب وتنفذ فيها. ويبدو أن هذا الذي كان فقد تأثر بعض السحرة بالكلمة المخلصة، فتلجلج في الأمر وأخذ المصرون على المباراة يجادلونهم همسا خيفة أن يسمعهم موسى:
«فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى» ..
وجعل بعضهم يحمس بعضا، وراحوا يهيجون في المترددين الخوف من موسى وهارون، اللذين يريدان الاستيلاء على مصر وتغيير عقائد أهلها مما يوجب مواجهتهما يدا واحدة بلا تردد ولا نزاع. واليوم هو يوم المعركة الفاصلة والذي يغلب فيها الفالح الناجح:
«قالُوا: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى. فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا. وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى» ..
وهكذا تنزل الكلمة الصادقة الواحدة الصادرة عن عقيدة، كالقذيفة في معسكر المبطلين وصفوفهم، فتزعزع اعتقادهم في أنفسهم وفي قدرتهم، وفي ما هم عليه من عقيدة وفكرة. وتحتاج إلى مثل هذا التحميس والتشجيع. وموسى وأخوه رجلان اثنان، والسحرة كثيرون، ووراءهم فرعون وملكه وجنده وجبروته وماله.. ولكن موسى وهارون كان معهما ربهما يسمع ويرى..
ولعل هذا هو الذي يفسر لنا تصرف فرعون الطاغية المتجبر، وموقف السحرة ومن ورائهم فرعون.
فمن هو موسى ومن هو هارون من أول الأمر حتى يتحداهما فرعون ويقبل تحديهما ويجمع كيده ثم يأتي ويحشر السحرة ويجمع الناس ويجلس هو والملأ من قومه ليشهدوا المباراة؟ وكيف قبل فرعون أن يجادله موسى ويطاوله؟ وموسى فرد من بني إسرائيل المستعبدين المستذلين تحت قهره؟ .. إنها الهيبة التي ألقاها الله على موسى وهارون وهو معهما يسمع ويرى..
وهي كذلك التي جعلت جملة واحدة توقع الارتباك في صفوف السحرة المدربين، فتحوجهم إلى التناجي سرا وإلى تجسيم الخطر، واستثارة الهمم، والدعوة إلى التجمع والترابط والثبات.
ثم أقدموا: [1] يهلككم ويستأصلكم. [.....]
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2341