نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2338
فأما موسى- عليه السلام- فيرد بالصفة المبدعة المنشئة المدبرة من صفات الله تعالى: «قالَ: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى» .. ربنا الذي وهب الوجود لكل موجود في الصورة التي أوجده بها وفطره عليها. ثم هدى كل شيء إلى وظيفته التي خلقه لها وأمده بما يناسب هذه الوظيفة ويعينه عليها. وثم هنا ليست للتراخي الزمني. فكل شيء مخلوق ومعه الاهتداء الطبيعي الفطري للوظيفة التي خلق لها، وليس هناك افتراق زمني بين خلق المخلوق وخلق وظيفته. إنما هو التراخي في الرتبة بين خلق الشيء واهتدائه إلى وظيفته فهداية كل شيء إلى وظيفته مرتبة أعلى من خلقه غفلا..
وهذا الوصف الذي يحكيه القرآن الكريم عن موسى- عليه السلام- يلخص أكمل آثار الألوهية الخالقة المدبرة لهذا الوجود: هبة الوجود لكل موجود.. وهبة خلقه على الصورة التي خلق بها. وهبة هدايته للوظيفة التي خلق لها.. وحين يجول الإنسان ببصره وبصيرته- في حدود ما يطيق- في جنبات هذا الوجود الكبير تتجلى له آثار تلك القدرة المبدعة المدبرة في كل كائن صغير أو كبير. من الذرة المفردة إلى أضخم الأجسام، ومن الخلية الواحدة إلى أرقى أشكال الحياة في الإنسان.
هذا الوجود الكبير المؤلف مما لا يحصى من الذرات والخلايا، والخلائق والأحياء وكل ذرة فيه تنبض، وكل خلية فيه تحيا، وكل حي فيه يتحرك، وكل كائن فيه يتفاعل أو يتعامل مع الكائنات الأخرى.. وكلها تعمل منفردة ومجتمعة داخل اطار. النواميس المودعة في فطرتها وتكوينها بلا تعارض ولا خلل ولا فتور في لحظة من اللحظات! وكل كائن بمفرده كون وحده وعالم بذاته، تعمل في داخله ذراته وخلاياه وأعضاؤه وأجهزته وفق الفطرة التي فطرت عليها، داخل حدود الناموس العام، في توافق وانتظام.
وكل كائن بمفرده- ودعك من الكون الكبير- يقف علم الإنسان وجهده قاصرا محدودا في دراسة خواصه ووظائفه وأمراضه وعلاجه. دراستها مجرد دراسة لا خلقها ولا هدايتها إلى وظائفها، فذلك خارج كلية عن طوق الإنسان. وهو خلق من خلق الله.. وهبه وجوده، على الهيئة التي وجد بها؟ للوظيفة التي خلق لها، كأي شيء من هاته الأشياء! إلا أنه للإله الواحد.. ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى..
وثنى فرعون بسؤال آخر:
«قالَ: فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى؟» .
ما شأن القرون التي مضت من الناس؟ أين ذهبت؟ ومن كان ربها؟ وما يكون شأنها وقد هلكت لا تعرف إلهها هذا؟
«قالَ: عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى» ..
بهذا أحال موسى ذلك الغيب البعيد في الزمان، الخافي عن العيان، إلى ربه الذي لا يفوت علمه شيء ولا ينسى شيئا. فهو الذي يعلم شأن تلك القرون كله. في ماضيها وفي مستقبلها. والغيب لله والتصرف في شأن البشر لله.
ثم يستطرد فيعرض على فرعون آثار تدبير الله في الكون وآلائه على بني الإنسان. فيختار بعض هذه الآثار المحيطة بفرعون، المشهودة له في مصر ذات التربة الخصبة والماء الموفور والزروع والأنعام:
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2338