responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2300
واستنكار للشرك ودعوى الولد وعرض لمصارع المشركين والمكذبين في الدنيا وفي الآخرة.. وكله يتناسق مع اتجاه القصص في السورة ويتجمع حول محورها الأصيل.
وللسورة كلها جو خاص يظللها ويشيع فيها، ويتمشى في موضوعاتها..
إن سياق هذه السورة معرض للانفعالات والمشاعر القوية.. الانفعالات في النفس البشرية، وفي «نفس» الكون من حولها. فهذا الكون الذي نتصوره جمادا لا حس له يعرض في السياق ذا نفس وحس ومشاعر وانفعالات، تشارك في رسم الجو العام للسورة. حيث نرى السماوات والأرض والجبال تغضب وتنفعل حتى لتكاد تنفطر وتنشق وتنهد استنكارا:
«أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً» ..
أما الانفعالات في النفس البشرية فتبدأ مع مفتتح السورة وتنتهي مع ختامها. والقصص الرئيسي فيها حافل بهذه الانفعالات في مواقفه العنيفة العميقة. وبخاصة في قصة مريم وميلاد عيسى.
والظل الغالب في الجو هو ظل الرحمة والرضى والاتصال. فهي تبدأ بذكر رحمة الله لعبده زكريا «ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا» وهو يناجي ربه نجاء: «إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا» .. ويتكرر لفظ الرحمة ومعناها وظلها في ثنايا السورة كثيرا. ويكثر فيها اسم «الرَّحْمنِ» . ويصور النعيم الذي يلقاه المؤمنون به في صورة ود: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا» ويذكر من نعمة الله على يحيى أن آتاه الله حنانا «وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا» . ومن نعمة الله على عيسى أن جعله برا بوالدته وديعا لطيفا:
«وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا» ..
وإنك لتحس لمسات الرحمة الندية ودبيبها اللطيف في الكلمات والعبارات والظلال. كما تحس انتفاضات الكون وارتجافاته لوقع كلمة الشرك التي لا تطيقها فطرته.. كذلك تحس أن للسورة إيقاعا موسيقيا خاصا.
فحتى جرس ألفاظها وفواصلها فيه رخاء وفيه عمق: رضيا. سريا. حفيا. نجيا.. فأما المواضع التي تقتضي الشد والعنف، فتجيء فيها الفاصلة مشددة دالا في الغالب. مدّا. ضدّا. إدّا، هدّا، أو زايا: عزّا. أزّا.
وتنوع الإيقاع الموسيقي والفاصلة والقافية بتنوع الجو والموضوع يبدو جليا في هذه السورة [1] . فهي تبدأ بقصة زكريا ويحيى فتسير الفاصلة والقافية هكذا:
«ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا. إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا ... إلخ» .
وتليها قصة مريم وعيسى فتسير الفاصلة والقافية على النظام نفسه:
«وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا. فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا
... إلخ» إلى أن ينتهي القصص، ويجيء التعقيب، لتقرير حقيقة عيسى ابن مريم، وللفصل في قضية بنوته.
فيختلف نظام الفواصل والقوافي.. تطول الفاصلة، وتنتهي القافية بحرف الميم أو النون المستقر الساكن عند الوقف لا بالياء الممدودة الرخية. على النحو التالي:
«ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ. ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ ... إلخ» .

[1] يراجع هذا الموضوع بتوسع في فصل التناسق الفني في القرآن في كتاب: التصوير الفني في القرآن «دار الشروق» .
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2300
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست