responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2290
وقد يكون هذا القول صحيحا. ولكننا لا نملك وسائل تمحيصه. ذلك أنه لا يمكن البحث في التاريخ المدون عن ذي القرنين الذي يقص القرآن طرفا من سيرته، شأنه شأن كثير من القصص الوارد في القرآن كقصص قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وغيرهم. فالتاريخ مولود حديث العهد جدا بالقياس إلى عمر البشرية.
وقد جرت قبل هذا التاريخ المدون أحداث كثيرة لا يعرف عنها شيئا: فليس هو الذي يستفتى فيها! ولو قد سلمت التوراة من التحريف والزيادات لكانت مرجعا يعتمد عليه في شيء من تلك الأحداث.
ولكن التوراة أحيطت بالأساطير التي لا شك في كونها أساطير. وشحنت كذلك بالروايات التي لا شك في أنها مزيدة على الأصل الموحى به من الله. فلم تعد التوراة مصدرا مستيقنا لما ورد فيها من القصص التاريخي.
وإذن فلم يبق إلا القرآن. الذي حفظ من التحريف والتبديل. هو المصدر الوحيد لما ورد فيه من القصص التاريخي.
ومن البديهي أنه لا تجوز محاكمة القرآن الكريم إلى التاريخ لسببين واضحين:
أولهما: أن التاريخ مولود حديث العهد، فاتته أحداث لا تحصى في تاريخ البشرية، لم يعلم عنها شيئا.
والقرآن يروي بعض هذه الأحداث التي ليس لها لدى التاريخ علم عنها! وثانيهما: أن التاريخ- وإن وعى بعض هذه الأحداث- هو عمل من أعمال البشر القاصرة يصيبه ما يصيب جميع أعمال البشر من القصور والخطأ والتحريف. ونحن نشهد في زماننا هذا- الذي تيسرت فيه أسباب الاتصال ووسائل الفحص- أن الخبر الواحد أو الحادث الواحد يروى على أوجه شتى، وينظر إليه من زوايا مختلفة، ويفسر تفسيرات متناقضة. ومن مثل هذا الركام يصنع التاريخ، مهما قيل بعد ذلك في التمحيص والتدقيق! فمجرد الكلام عن استفتاء التاريخ فيما جاء به القرآن الكريم من القصص، كلام تنكره القواعد العلمية المقررة التي ارتضاها البشر، قبل أن تنكره العقيدة التي تقرر أن القرآن هو القول الفصل. وهو كلام لا يقول به مؤمن بالقرآن، ولا مؤمن بوسائل البحث العلمي على السواء. إنما هو مراء!!! لقد سأل سائلون عن ذي القرنين. سألوا الرسول- صلى الله عليه وسلم- فأوحى إليه الله بما هو وارد هنا من سيرته. وليس أمامنا مصدر آخر غير القرآن في هذه السيرة. فنحن لا نملك التوسع فيها بغير علم.
وقد وردت في التفاسير أقوال كثيرة، ولكنها لا تعتمد على يقين. وينبغي أن تؤخذ بحذر، لما فيها من إسرائيليات وأساطير.
وقد سجل السياق القرآني لذي القرنين ثلاث رحلات: واحدة إلى المغرب، وواحدة إلى المشرق، وواحدة إلى مكان بين السدين.. فلنتابع السياق في هذه الرحلات الثلاث.
يبدأ الحديث عن ذي القرنين بشيء عنه:
«إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً» ..
لقد مكن الله له في الأرض، فأعطاه سلطانا وطيد الدعائم ويسر له أسباب الحكم والفتح. وأسباب البناء والعمران، وأسباب السلطان والمتاع.. وسائر ما هو من شأن البشر أن يمكنوا فيه في هذه الحياة.

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2290
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست