نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2261
النفوس المؤمنة، ويقيها الفتنة، ويشملها بالرحمة.
وفي القصة روايات شتى، وأقاويل كثيرة. فقد وردت في بعض الكتب القديمة وفي الأساطير بصور شتى.
ونحن نقف فيها عند حد ما جاء في القرآن، فهو المصدر الوحيد المستيقن. ونطرح سائر الروايات والأساطير التي اندست في التفاسير بلا سند صحيح. وبخاصة أن القرآن الكريم قد نهى عن استفتاء غير القرآن فيها، وعن المراء فيها والجدل رجما بالغيب.
وقد ورد في سبب نزولها ونزول قصة ذي القرنين أن اليهود أغروا أهل مكة بسؤال الرسول- صلى الله عليه وسلم- عنهما وعن الروح. أو أن أهل مكة طلبوا إلى اليهود أن يصوغوا لهم أسئلة يختبرون بها الرسول- صلى الله عليه وسلم- وقد يكون هذا كله أو بعضه صحيحا. فقد جاء في أول قصة ذي القرنين: «وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ. قُلْ: سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً» ولكن لم تجىء عن قصة أصحاب الكهف مثل هذه الإشارة.
فنحن نمضي في القصة لذاتها وهي واضحة الارتباط بمحور السورة كما بينا.
إن الطريقة التي اتبعت في عرض هذه القصة من الناحية الفنية هي طريقة التلخيص الإجمالي أولا، ثم العرض التفصيلي أخيرا. وهي تعرض في مشاهد وتترك بين المشاهد فجوات يعرف ما فيها من السياق [1] . وهي تبدأ هكذا:
«أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً. إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ، فَقالُوا: رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً. فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً، ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً» .
وهو تلخيص يجمل القصة، ويرسم خطوطها الرئيسية العريضة. فنعرف أن أصحاب الكهف فتية- لا نعلم عددهم- آووا إلى الكهف وهم مؤمنون. وأنه ضرب على آذانهم في الكهف- أي ناموا- سنين معدودة- لا نعلم عددها- وأنهم بعثوا من رقدتهم الطويلة. وأنه كان هناك فريقان يتجادلان في شأنهم ثم لبثوا في الكهف فبعثوا ليتبين أي الفريقين أدق إحصاء. وأن قصتهم على غرابتها ليست بأعجب آيات الله. وفي صفحات هذا الكون من العجائب وفي ثناياه من الغرائب ما يفوق قصة أصحاب الكهف والرقيم [2] .
وبعد هذا التلخيص المشوق للقصة يأخذ السياق في التفصيل. ويبدأ هذا التفصيل بأن ما سيقصه الله منها هو فصل الخطاب في الروايات المتضاربة، وهو الحق اليقين:
«نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ. إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً. وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا: رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً. لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً. هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً. لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ. فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً؟ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ- إِلَّا اللَّهَ- فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ، يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً» .
هذا هو المشهد الأول من مشاهد القصة. «إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ» .. «وَزِدْناهُمْ هُدىً» بإلهامهم كيف [1] يرجع فصل «القصة في القرآن» في كتاب: «التصوير الفني في القرآن» . «دار الشروق» . [2] الكهف: الفجوة في الصخر. والرقيم- في الغالب- هو الكتاب الذي يحمل أسماءهم وربما كان هو الذي وضع على باب الكهف الذي عثر عليهم فيه.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2261