نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2259
وهكذا نجد محور السورة هو تصحيح العقيدة. وتصحيح منهج الفكر والنظر. وتصحيح القيم بميزان العقيدة.
ويسير سياق السورة حول هذه الموضوعات الرئيسية في أشواط متتابعة:
تبدأ السورة بالحمد لله الذي أنزل على عباده الكتاب للإنذار والتبشير. تبشير المؤمنين وإنذار الذين قالوا:
اتخذ الله ولدا وتقرير أن ما على الأرض من زينة إنما هو للابتلاء والاختبار، والنهاية إلى زوال وفناء.. ويتلو هذا قصة أصحاب الكهف. وهي نموذج لإيثار الإيمان على باطل الحياة وزخرفها، والالتجاء إلى رحمة الله في الكهف، هربا بالعقيدة أن تمس.
ويبدأ الشوط الثاني بتوجيه الرسول- صلى الله عليه وسلم- أن يصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، وأن يغفل الغافلين عن ذكر الله.. ثم تجيء قصة الجنتين تصور اعتزاز القلب المؤمن بالله، واستصغاره لقيم الأرض.. وينتهي هذا الشوط بتقرير القيم الحقيقية الباقية.
والشوط الثالث يتضمن عدة مشاهد متصلة من مشاهد القيامة تتوسطها إشارة قصة آدم وإبليس.. وينتهي ببيان سنة الله في إهلاك الظالمين، ورحمة الله وإمهاله للمذنبين إلى أجل معلوم.
وتشغل قصة موسى مع العبد الصالح الشوط الرابع. وقصة ذي القرنين الشوط الخامس.
ثم تختم السورة بمثل ما بدأت: تبشيرا للمؤمنين وإنذارا للكافرين، وإثباتا للوحي وتنزيها لله عن الشريك.
فلنأخذ في الشوط الأول بالتفصيل:
«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً. قَيِّماً. لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ، وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً، وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً، ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ. كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ. إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً. فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً.. إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً» ...
بدء فيه استقامة، وفيه صرامة. وفيه حمد لله على إنزاله الكتاب «عَلى عَبْدِهِ» بهذه الاستقامة، لا عوج فيه ولا التواء، ولا مداراة ولا مداورة: «لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ» .
ومنذ الآية الأولى تتضح المعالم، فلا لبس في العقيدة ولا غموض: الله هو الذي أنزل الكتاب، والحمد له على تنزيله. ومحمد هو عبد لله. فالكل إذن عبيد، وليس لله من ولد ولا شريك.
والكتاب لا عوج له.. «قَيِّماً» .. يتكرر معنى الاستقامة مرة عن طريق نفي العوج، ومرة عن طريق إثبات الاستقامة. توكيدا لهذا المعنى وتشديدا فيه.
والغرض من إنزال الكتاب واضح صريح: «لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ، وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً» .
ويغلب ظل الإنذار الصارم في التعبير كله. فهو يبدأ به على وجه الإجمال: «لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ» .
ثم يعود إليه على وجه التخصيص: «وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً» .. وبينهما تبشير للمؤمنين «الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ» بهذا القيد الذي يجعل للإيمان دليله العملي الظاهر المستند إلى الواقع الأكيد.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2259