نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2249
وفي هذا التقرير تهديد خفي، بعاقبة العمل والاتجاه، ليأخذ كل حذره، ويحاول أن يسلك سبيل الهدى ويجد طريقه إلى الله.
وراح بعضهم يسأل الرسول- صلى الله عليه وسلم- عن الروح ما هو؟ والمنهج الذي سار عليه القرآن- وهو المنهج الأقوم- أن يجيب الناس عما هم في حاجة إليه، وما يستطيع إدراكهم البشري بلوغه ومعرفته فلا يبدد الطاقة العقلية التي وهبها الله لهم فيما لا ينتج ولا يثمر، وفي غير مجالها الذي تملك وسائله وتحيط به. فلما سألوه عن الروح أمره الله أن يجيبهم بأن الروح من أمر الله، اختص بعلمه دون سواه:
«وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ. قُلِ: الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي. وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [1] » ..
وليس في هذا حجر على العقل البشري أن يعمل. ولكن فيه توجيها لهذا العقل أن يعمل في حدوده وفي مجاله الذي يدركه. فلا جدوى من الخبط في التيه، ومن إنفاق الطاقة فيما لا يملك العقل إدراكه لأنه لا يملك وسائل إدراكه. والروح غيب من غيب الله لا يدركه سواه، وسر من أسراره القدسية أودعه هذا المخلوق البشري وبعض الخلائق التي لا نعلم حقيقتها. وعلم الإنسان محدود بالقياس إلى علم الله المطلق، وأسرار هذا الوجود أوسع من أن يحيط بها العقل البشري المحدود. والإنسان لا يدبر هذا الكون فطاقاته ليست شاملة، إنما وهب منها بقدر محيطه وبقدر حاجته ليقوم بالخلافة في الأرض، ويحقق فيها ما شاء الله أن يحققه، في حدود علمه القليل.
ولقد أبدع الإنسان في هذه الأرض ما أبدع ولكنه وقف حسيرا أمام ذلك السر اللطيف- الروح- لا يدري ما هو، ولا كيف جاء، ولا كيف يذهب، ولا أين كان ولا أين يكون، إلا ما يخبر به العليم الخبير في التنزيل.
وما جاء في التنزيل هو العلم المستيقن، لأنه من العليم الخبير. ولو شاء الله لحرم البشرية منه، وذهب بما أوحى إلى رسوله، ولكنها رحمة الله وفضله.
«وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ، ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا. إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ، إِنَّ فَضْلَهُ، كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً» ..
والله يمتن على رسوله- صلى الله عليه وسلم- بهذا الفضل. فضل إنزال الوحي، واستبقاء ما أوحى به إليه المنة على الناس أكبر، فهم بهذا القرآن في رحمة وهداية ونعمة، أجيالا بعد أجيال.
وكما أن الروح من الأسرار التي اختص الله بها فالقرآن من صنع الله الذي لا يملك الخلق محاكاته، ولا يملك الإنس والجن- وهما يمثلان الخلق الظاهر والخفي- أن يأتوا بمثله، ولو تظاهروا وتعاونوا في هذه المحاولة:
«قُلْ: لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً» ..
فهذا القرآن ليس ألفاظا وعبارات يحاول الإنس والجن أن يحاكوها. إنما هو كسائر ما يبدعه الله يعجز [1] في الأرجح أن هذا السؤال جاء من أهل الكتاب وأن هذه الآية مدنية هي وسبع آيات بعدها.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2249