responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2230
«أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً؟ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً؟» استفهام للاستنكار والتهكم. استنكار لما يقولون من أن الملائكة بنات الله، تعالى الله عن الولد والصاحبة كما تعالى عن الشبيه والشريك. وتهكم على نسبة البنات لله وهم يعدون البنات أدنى من البنين ويقتلون البنات خوف الفقر أو العار ومع هذا يجعلون الملائكة إناثا، وينسبون هؤلاء الإناث إلى الله! فإذا كان الله هو واهب البنين والبنات، فهل أصفاهم بالبنين المفضلين واتخذ لنفسه الإناث المفضولات؟! وهذا كله على سبيل مجاراتهم في ادعاءاتهم لبيان ما فيها من تفكك وتهافت. وإلا فالقضية كلها مستنكرة من الأساس:
«إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً» .. عظيما في شناعته وبشاعته، عظيما في جرأته ووقاحته، عظيما في ضخامة الافتراء فيه، عظيما في خروجه عن التصور والتصديق.
«وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا، وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً» ..
فقد جاء القرآن بالتوحيد، وسلك إلى تقرير هذه العقيدة وإيضاحها طرقا شتى، وأساليب متنوعة، ووسائل متعددة «لِيَذَّكَّرُوا» فالتوحيد لا يحتاج إلى أكثر من التذكر والرجوع إلى الفطرة ومنطقها، وإلى الآيات الكونية ودلالتها ولكنهم يزيدون نفورا كلما سمعوا هذا القرآن. نفورا من العقيدة التي جاء بها، ونفورا من القرآن ذاته خيفة أن يغلبهم على عقائدهم الباطلة التي يستمسكون بها. عقائد الشرك والوهم والترهات.
وكما جاراهم في ادعاءاتهم في حكاية البنات ونسبتها إلى الله ليكشف عما فيها من تفكك وتهافت، فهو يجاريهم في حكاية الآلهة المدعاة، ليقرر أن هذه الآلهة لو وجدت فإنها ستحاول أن تتقرب إلى الله، وأن تجد لها وسيلة إليه وسبيلا:
«قُلْ: لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ، إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا» ..
ولو- كما يقول النحاة- حرف امتناع لامتناع، فالقضية كلها ممتنعة، وليس هنالك آلهة مع الله- كما يقولون- والآلهة التي يدعونها إن هي إلا خلق من خلق الله سواء كانت نجما أو كوكبا، إنسانا أو حيوانا، نباتا أو جمادا. وهذه كلها تتجه إلى الخالق حسب ناموس الفطرة الكونية، وتخضع للإرادة التي تحكمها وتصرفها وتجد طريقها إلى الله عن طريق خضوعها لناموسه وتلبيتها لإرادته:
«إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا» .. وذكر العرش هنا يوحي بالارتفاع والتسامي على هذه الخلائق التي يدعون أنها آلهة «مع» الله. وهي تحت عرشه وليست معه.. ويعقب على ذلك بتنزيه الله في علاه:
«سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً» ..
ثم يرسم السياق للكون كله بما فيه ومن فيه مشهدا فريدا، تحت عرش الله، يتوجه كله إلى الله، يسبح له ويجد الوسيلة إليه:
«تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ، وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ، إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً» ..
وهو تعبير تنبض به كل ذرة في هذا الكون الكبير، وتنفض روحا حية تسبح الله. فإذا الكون كله حركة وحياة، وإذا الوجود كله تسبيحة واحدة شجية رخية، ترتفع في جلال إلى الخالق الواحد الكبير المتعال.
وإنه لمشهد كوني فريد، حين يتصور القلب. كل حصاة وكل حجر. كل حبة وكل ورقة. كل زهرة وكل

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2230
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست