نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2219
إن الحياة للأرض حياة تليق بالديدان والزواحف والحشرات والهوام والوحوش والأنعام. فأما الحياة للآخرة فهي الحياة اللائقة بالإنسان الكريم على الله، الذي خلقه فسواه، وأودع روحه ذلك السر الذي ينزع به إلى السماء وإن استقرت على الأرض قدماه.
على أن هؤلاء وهؤلاء إنما ينالون من عطاء الله. سواء منهم من يطلب الدنيا فيعطاها ومن يطلب الآخرة فيلقاها. وعطاء الله لا يحظره أحد ولا يمنعه، فهو مطلق تتوجه به المشيئة حيث تشاء:
«كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ. وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً» .
والتفاوت في الأرض ملحوظ بين الناس بحسب وسائلهم وأسبابهم واتجاهاتهم وأعمالهم، ومجال الأرض ضيق ورقعة الأرض محدودة. فكيف بهم في المجال الواسع وفي المدى المتطاول. كيف بهم في الآخرة التي لا تزن فيها الدنيا كلها جناح بعوضة؟
«انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا» .
فمن شاء التفاوت الحق، ومن شاء التفاضل الضخم، فهو هناك في الآخرة. هنالك في الرقعة الفسيحة، والآماد المتطاولة التي لا يعلم حدودها إلا الله. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون لا في متاع الدنيا القليل الهزيل ...