responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2181
بين فرث ودم لم تكن معروفة لبشر، وما كان بشر في ذلك العهد ليتصورها فضلا على أن يقررها بهذه الدقة العلمية الكاملة. وما يملك إنسان يحترم عقله أن يماري في هذا أو يجادل. ووجود حقيقة واحدة من نوع هذه الحقيقة يكفي وحده لإثبات الوحي من الله بهذا القرآن. فالبشرية كلها كانت تجهل يومذاك هذه الحقيقة.
والقرآن- يعبر هذه الحقائق العلمية البحته- يحمل أدلة الوحي من الله في خصائصه الأخرى لمن يدرك هذه الخصائص ويقدرها ولكن ورود حقيقة واحدة على هذا النحو الدقيق يفحم المجادلين المتعنتين.
«وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» ..
هذه الثمرات المنبثقة عن الحياة التي بثها الماء النازل من السماء. تتخذون منه سكرا (والسكر الخمر ولم تكن حرمت بعد) ورزقاً حسناً. والنص يلمح إلى أن الرزق الحسن غير الخمر وأن الخمر ليست رزقاً حسناً، وفي هذا توطئة لما جاء بعد من تحريمها، وإنما كان يصف الواقع في ذلك الوقت من اتخاذهم الخمر من ثمرات النخيل والأعناب، وليس فيه نص بحلها، بل فيه توطئه لتحريمها «إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» ..
فيدركون أن من يصنع هذا الرزق هو الذي يستحق العبودية له وهو الله..
«وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً، وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ، ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا، يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» ..
والنحل تعمل بإلهام من الفطرة التي أودعها إياها الخالق، فهو لون من الوحي تعمل بمقتضاه. وهي تعمل بدقة عجيبة يعجز عن مثلها العقل المفكر سواء في بناء خلاياها، أو في تقسيم العمل بينها، أو في طريقة إفرازها للعسل المصفى.
وهي تتخذ بيوتها- حسب فطرتها- في الجبال والشجر وما يعرشون أي ما يرفعون من الكروم وغيرها- وقد ذلل الله لها سبل الحياة بما أودع في فطرتها وفي طبيعة الكون حولها من توافق. والنص على أن العسل فيه شفاء للناس قد شرحه بعض المختصين في الطب. شرحاً فنياً [1] . وهو ثابت بمجرد نص القرآن عليه. وهكذا يجب أن يعتقد المسلم استنادا إلى الحق الكلي الثابت في كتاب الله كما أثر عن رسول الله.
روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري أن رجلا جاء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال:
إن أخي استطلق بطنه، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «اسقه عسلاً» فسقاه عسلاً. ثم جاء فقال: يا رسول الله سقيته عسلاً فما زاده إلا استطلاقاً. قال: «اذهب فاسقه عسلاً» فذهب فسقاه عسلاً ثم جاء فقال: يا رسول الله ما زاده ذلك إلا استطلاقاً. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «صدق الله وكذب بطن أخيك اذهب فاسقه عسلا» فذهب فسقاه عسلا فبرئ.
ويرو عنا في هذا الأثر يقين الرسول- صلى الله عليه وسلم- أمام ما بدا واقعاً عملياً من استطلاق بطن الرجل كلما سقاه أخوه. وقد انتهى هذا اليقين بتصديق الواقع له في النهاية. وهكذا يجب أن يكون يقين المسلم بكل قضية وبكل حقيقة وردت في كتاب الله. مهما بدا في ظاهر الأمر أن ما يسمى الواقع يخالفها. فهي أصدق من ذلك الواقع الظاهري، الذي ينثني في النهاية ليصدقها..

[1] الدكتور عبد العزيز إسماعيل في كتابه: «الإسلام والطب الحديث» .
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2181
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست