responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2153
طريقها لا تتخلف. والحق الأكبر من ورائها متلبساً بالدعوة وبالساعة وبخلق السماوات والأرض، وبكل ما في الوجود الصادر عن الخلاق العليم.. إنها لفتة ضخيمة تختم بها السورة. لفته إلى الحق الأكبر الذي يقوم به هذا الوجود..
«وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ، وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ. فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ» ..
إن هذا التعقيب بتقرير الحق الذي تقوم به السماوات والأرض، والذي به كان خلقهما وما بينهما، لتعقيب عظيم الدلالة، عميق المعنى، عجيب التعبير. فماذا يشير إليه هذا القول: «وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ» ؟ إنه يوحي بأن الحق عميق في تصميم هذا الوجود: عميق في تكوينه. عميق في تدبيره. عميق في مصير هذا الوجود وما فيه ومن فيه..
عميق في تصميم هذا الوجود. فهو لم يخلق عبثا، ولم يكن جزافا، ولم يتلبس بتصميمه الأصيل خداع ولا زيف ولا باطل. والباطل طارئ عليه ليس عنصراً من عناصر تصميمه.
عميق في تكوينه. فقوامه من العناصر التي يتألف منها حق لا وهم ولا خداع. والنواميس التي تحكم هذه العناصر وتؤلف بينها حق لا يتزعزع ولا يضطرب ولا يتبدل. ولا يتلبس به هوى أو خلل أو اختلاف.
عميق في تدبيره. فبالحق يدبر ويصرف، وفق تلك النواميس الصحيحة العادلة التي لا تتبع هوى ولا نزوة، إنما تتبع الحق والعدل.
عميق في مصيره. فكل نتيجة تتم وفق تلك النواميس الثابتة العادلة وكل تغيير يقع في السماوات والأرض وما بينهما يتم بالحق وللحق. وكل جزاء يترتب يتبع الحق الذي لا يحابي.
ومن هنا يتصل الحق الذي خلق الله به السماوات والأرض وما بينهما، بالساعة الآتية لا ريب فيها. فهي آتية لا تتخلف. وهي جزء من الحق الذي قام به الوجود. فهي في ذاتها حقيقة، وقد جاءت لتحق الحق.
«فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ» ..
ولا تشغل قلبك بالحنق والحقد، فالحق لا بد أن يحق:
«إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ» .. الذي خلق ويعلم ما خلق ومن خلق. والخلق كله من إبداعه فلا بد أن يكون الحق أصيلا فيه، ولا بد أن ينتهي كل شيء فيه إلى الحق الذي بدأ منه وقام عليه. فهو فيه أصيل وما عداه باطل وزيف طارئ يذهب، فلا يبقى إلا ذلك الحق الكبير الشامل المستقر في ضمير الوجود.
يتصل بهذا الحق الكبير تلك الرسالة التي جاء بها الرسول. وذلك القرآن الذي أوتيه:
«وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» .
والمثاني الأرجح أن المقصود بها آيات سورة الفاتحة السبع- كما ورد في الأثر- فهي تثنى وتكرر في الصلاة، أو يثنى فيها على الله [1] .

[1] بعض التفاسير المأثورة تقول: إن المقصود بها السبع الطوال: البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة بوصفهما سورة واحدة. ولما كانت هذه السور مدنية فإنها تذكر أن هذه الآية مدنية. والذي يلهمه سياق السورة أن الآية مكية وأنها تشير إلى الفاتحة وآياتها السبع المثاني.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2153
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست