نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2126
ربما.. ولكن حيث لا ينفع التمني ولا تجدي الودادة.. ربما.. وفيها التهديد الخفي، والاستهزاء الملفوف وفيها كذلك الحث على انتهاز الفرصة المعروضة للإسلام والنجاة قبل أن تضيع، ويأتي اليوم الذي يودون فيه لو كانوا مسلمين فما ينفعهم يومئذ أنهم يودون! وتهديد آخر ملفوف:
«ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ» ..
ذرهم فيما هم فيه من حياة حيوانية محضة للأكل والمتاع. لا تأمل فيها ولا تدبرو لا استطلاع. ذرهم في تلك الدوامة: الأمل يلهي والمطامع تغر، والعمر يمضي والفرصة تضيع. ذرهم فلا تشغل نفسك بهؤلاء الهالكين، الذين ضلوا في متاهة الأمل الغرور، يلوح لهم ويشغلهم بالأطماع، ويملي لهم فيحسبون أن أجلهم ممدود، وأنهم محصلون ما يطمعون لا يردهم عنه راد، ولا يمنعهم منه مانع. وأن ليس وراءهم حسيب وأنهم ناجون في النهاية بما ينالون مما يطعمون! وصورة الأمل الملهي صورة إنسانية حية. فالأمل البراق ما يزال يخايل لهذا الإنسان، وهو يجري وراءه، وينشغل به، ويستغرق فيه، حتى يجاوز المنطقة المأمونة وحتى يغفل عن الله، وعن القدر، وعن الأجل وحتى ينسى أن هنالك واجباً، وأن هنالك محظوراً بل حتى لينسى أن هنالك إلهاً، وأن هنالك موتاً، وأن هناك نشوراً.
وهذا هو الأمل القاتل الذي يؤمر الرسول- صلى الله عليه وسلم- أن يدعهم له.. «فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ» ..
حيث لا ينفع العلم بعد فوات الأوان.. وهو أمر فيه تهديد لهم، وفيه كذلك لمسة عنيفة لعلهم يصحون من الأمل الخادع الذي يلهيهم عن المصير المحتوم.
وإن سنة الله لماضية لا تتخلف وهلاك الأمم مرهون بأجلها الذي قدره الله لها مترتب على سلوكها الذي تنفذ به سنة الله ومشيئته:
«وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ، ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ» ..
فلا يغرنهم تخلف العذاب عنهم فترة من الوقت، فإنما هي سنة الله تمضي في طريقها المعلوم. ولسوف يعلمون.
وذلك الكتاب المعلوم والأجل المقسوم، يمنحه الله للقرى والأمم، لتعمل، وعلى حسب العمل يكون المصير. فإذا هي آمنت وأحسنت وأصلحت وعدلت مد الله في أجلها، حتى تنحرف عن هذه الأسس كلها، ولا تبقى فيها بقية من خير يرجى، عندئذ تبلغ أجلها، وينتهي وجودها، إما نهائياً بالهلاك والدثور، وإما وقتياً بالضعف والذبول.
ولقد يقال: إن أمما لا تؤمن ولا تحسن ولا تصلح ولا تعدل. وهي مع ذلك قوية ثرية باقية. وهذا وهم.
فلا بد من بقية من خير في هذه الأمم. ولو كان هو خير العمارة للأرض، وخير العدل في حدوده الضيقة بين أبنائها، وخير الإصلاح المادي والإحسان المحدود بحدودها. فعلى هذه البقية من الخير تعيش حتى تستنفدها فلا تبقى فيها من الخير بقية. ثم تنتهي حتماً إلى المصير المعلوم.
إن سنة الله لا تتخلف. ولكل أمة أجل معلوم:
«ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ» ..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2126