نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2113
وليس بعيداً عن متناول القدرة. بل إنه لحاضر «عند الله» يفعل به كيفما يشاء.
«فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ. إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ» ..
فما لهذا المكر من أثر، وما يعوق تحقيق وعد الله لرسله بالنصر وأخذ الماكرين أخذ عزيز مقتدر:
«إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ» ..
لا يدع الظالم يفلت، ولا يدع الماكر ينجو.. وكلمة الانتقام هنا تلقي الظل المناسب للظلم والمكر، فالظالم الماكر يستحق الانتقام، وهو بالقياس إلى الله تعالى، يعني تعذيبهم جزاء ظلمهم وجزاء مكرهم، تحقيقاً لعدل الله في الجزاء.
وسيكون ذلك لا محالة:
«يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ» ..
ولا ندري نحن كيف يتم هذا، ولا طبيعة الأرض الجديدة وطبيعة السماوات، ولا مكانها ولكن النص يلقي ظلال القدرة القادرة التي تبدل الأرض وتبدل السماوات في مقابل ذلك المكر الذي مهما اشتد فهو ضئيل عاجز حسير.
وفجأة نرى ذلك قد تحقق:
«وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ» ..
وأحسوا أنهم مكشوفون لا يسترهم ساتر، ولا يقيهم واق. ليسوا في دورهم وليسوا في قبورهم. إنما هم في العراء أمام الواحد القهار.. ولفظة «القهار» هنا تشترك في ظل التهديد بالقوة القاهرة التي لا يقف لها كيد الجبابرة. وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال.
ثم ها نحن أولاء أمام مشهد من مشاهد العذاب العنيف القاسي المذل، يناسب ذلك المكر وذلك الجبروت:
«وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ» ..
فمشهد المجرمين: اثنين اثنين مقرونين في الوثاق، يمرون صفاً وراء صف.. مشهد مذل دال كذلك على قدرة القهار. ويضاف إلى قرنهم في الوثاق أن سرابيلهم وثيابهم من مادة شديدة القابلية للالتهاب، وهي في ذات الوقت قذرة سوداء.. «من قطران» .. ففيها الذل والتحقير، وفيها الإيحاء بشدة الاشتعال بمجرد قربهم من النار! «وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ» ..
فهو مشهد العذاب المذل المتلظي المشتعل جزاء المكر والاستكبار..
«لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ. إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ» ..
ولقد كسبوا المكر والظلم فجزاؤهم القهر والذل. إن الله سريع الحساب. فالسرعة في الحساب هنا تناسب المكر والتدبير الذي كانوا يحسبونه يحميهم ويخفيهم، ويعوق انتصار أحد عليهم. فها هم أولاء يجزون ما كسبوا ذلاً وألماً وسرعة حساب! وفي النهاية تختم السورة بمثل ما بدأت، ولكن في إعلان عام جهير الصوت، عالي الصدى، لتبليغ البشرية كلها في كل مكان:
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2113