نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2095
أولى لا تصلح للقيادة والزعامة! .. ومن هؤلاء كل أصحاب التفكير المادي- الذي يسمونه «المذاهب العلمية» كذباً وافتراء.. إن العلم لا يتفق مع تعطل أجهزة الاستقبال الفطرية وفساد أجهزة الاتصال الإنسانية بالكون كله! إنهم الذين يسميهم القرآن بالعمْي.. وما يمكن أن تقام الحياة الإنسانية على مذهب أو رأي أو نظام يراه أعمى!!! إن خلق السماوات والأرض بالحق يوحي بالقدرة كما يوحي بالثبات. فالحق ثابت مستقر حتى في جرسه اللفظي.. ذلك في مقابل الرماد المتطاير إلى بعيد. وفي مقابل الضلال البعيد.
وفي ضوء مصير المعاندين الجبارين في معركة الحق والباطل يجيء التهديد:
«إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ» ..
والقادر على خلق السماوات والأرض، قادر على استخلاف جنس غير هذا الجنس في الأرض. واستخلاف قوم مكان قوم من أقوام هذا الجنس. وظل الذهاب بالقوم يتسق من بعيد مع ظل الرماد المتطاير الذاهب إلى الفناء.
«وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ» ..
وخلق السماوات والأرض شاهد. ومصارع المكذبين من قبل شاهدة. والرماد المتطاير شاهد من بعيد! ألا إنه الإعجاز في تنسيق المشاهد والصور والظلال في هذا القرآن! ثم نرقى إلى أفق آخر من آفاق الإعجاز في التصوير والأداء والتنسيق. فلقد كنا منذ لحظة مع الجبارين المعاندين. ولقد خاب كل جبار عنيد. وكانت صورته في جهنم تخايل له من ورائه وهو بعد في الدنيا. فالآن نجدهم هناك، حيث يتابع السياق خطواته بالرواية الكبرى- رواية البشرية ورسلها- في المشهد الأخير. وهو مشهد من أعجب مشاهد القيامة وأحفلها بالحركة والانفعال والحوار بين الضعفاء والمستكبرين. وبين الشيطان والجميع:
«وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً- فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا: إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً. فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ؟ قالُوا: لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ. سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ. وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ، وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي. فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ، ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ. إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ. إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.»
«وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ، تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ» .
لقد انتقلت الرواية.. رواية الدعوة والدعاة، والمكذبين والطغاة.. انتقلت من مسرح الدنيا إلى مسرح الآخرة:
«وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً» ..
الطغاة المكذبون وأتباعهم من الضعفاء المستذلين. ومعهم الشيطان.. ثم الذين آمنوا بالرسل وعملوا الصالحات.. برزوا «جميعاً» مكشوفين. وهم مكشوفون لله دائماً. ولكنهم الساعة يعلمون ويحسون أنهم مكشوفون
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2095