نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2088
والتعبير يوحد بين صيغة الأمر الصادر لموسى والصادر لمحمد- عليهما صلاة الله وسلامه- تمشياً مع نسق الأداء في السورة- وقد تحدثنا عنه آنفاً- فإذا الأمر هناك:
«لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ» ..
والأمر هنا:
«أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ» ..
الأولى للناس كافة والثانية لقوم موسى خاصة، ولكن الغاية واحدة:
«أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ» .. «وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ» ..
وكل الأيام أيام الله. ولكن المقصود هنا أن يذكرهم بالأيام التي يبدو فيها للبشر أو لجماعة منهم أمر بارز أو خارق بالنعمة أو بالنقمة كما سيجيء في حكاية تذكير موسى لقومه. وقد ذكرهم بأيام لهم، وأيام لأقوام نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم. فهذه هي الأيام.
«إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ» ..
ففي هذه الأيام ما هو بؤسى فهو آية للصبر، وفيها ما هو نعمى فهو آية للشكر. والصبار الشكور هو الذي يدرك هذه الآيات، ويدرك ما وراءها، ويجد فيها عبرة له وعظة كما يجد فيها تسرية وتذكيراً.
وراح موسى يؤدي رسالته، ويذكر قومه:
«وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ، وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ، وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ» ..
إنه يذكرهم بنعمة الله عليهم. نعمة النجاة من سوء العذاب الذي كانوا يلقونه من آل فرعون، يسامونه سوماً، أي يوالون به ويتابعون، فلا يفتر عنهم ولا ينقطع. ومن ألوانه البارزة تذبيح الذكور من الأولاد واستحياء الإناث، منعاً لتكاثر القوة المانعة فيهم واستبقاء لضعفهم وذلهم. فإنجاء الله لهم من هذه الحال نعمة تذكر. وتذكر لتشكر.
«وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ» ..
بلاء بالعذاب أولاً، لامتحان الصبر والتماسك والمقاومة والعزم على الخلاص والعمل له. فليس الصبر هو احتمال الذل والعذاب وكفى. ولكن الصبر هو احتمال العذاب بلا تضعضع ولا هزيمة روحية، واستمرار العزم على الخلاص، والاستعداد للوقوف في وجه الظلم والطغيان. وإلا فما هو صبر مشكور ذلك الاستسلام للذل والهوان.. وبلاء بالنجاة ثانيا لامتحان الشكر، والاعتراف بنعمة الله، والاستقامة على الهدى في مقابل النجاة.
ويمضي موسى في البيان لقومه. بعد ما ذكرهم بأيامه. ووجههم إلى الغاية من العذاب والنجاة. وهي الصبر للعذاب والشكر للنجاة.. يمضي ليبين لهم ما رتبه الله جزاء على الشكر والكفران:
«وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ» ..
ونقف نحن أمام هذه الحقيقة الكبيرة: حقيقة زيادة النعمة بالشكر، والعذاب الشديد على الكفر.
نقف نحن أمام هذه الحقيقة تطمئن إليها قلوبنا أول وهلة لأنها وعد من الله صادق. فلا بد أن يتحقق
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2088