responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2079
مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ. يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ، وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ، وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ»
..
«مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ، لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ. ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ» ..
فأما الحقيقتان اللتان تظللان جو السورة، وتتسقان مع ظل إبراهيم: أبي الأنبياء. الشكور الأواه المنيب، وهما حقيقة وحدة الرسالة والرسل، ووحدة دعوتهم، ووقفتهم أمة واحدة في مواجهة الجاهلية المكذبة.
وحقيقة نعمة الله على البشر كافة وعلى المختارين منهم بصفة خاصة.. فنفردهما هنا بالحديث.
فأما الحقيقة الأولى فيبرزها السياق في معرض فريد في طريقة الأداء. لقد أبرزها سياق بعض السور الماضية في صورة توحيد الدعوة التي يجيء بها كل رسول، فيقول كلمته لقومه ويمضي، ثم يجيء رسول ورسول.
كلهم يقولون الكلمة ذاتها، ويلقون الرد ذاته، ويصيب المكذبين ما يصيبهم في الدنيا، وينظر بعضهم ويمهل إلى أجل في الأرض أو إلى أجل في يوم الحساب. ولكن السياق هناك كان يعرض كل رسول في مشهد، كالشريط المتحرك منذ الرسالات الأولى. وأقرب مثل لهذا النسق سورة الأعراف وسورة هود.
فأما سورة إبراهيم- أبي الأنبياء- فتجمع الأنبياء كلهم في صف وتجمع الجاهليين كلهم في صف. وتجري المعركة بينهم في الأرض، ثم لا تنتهي هنا، بل تتابع خطواتها كذلك في يوم الحساب! ونبصر فنشهد أمة الرسل، وأمة الجاهلية، في صعيد واحد، على تباعد الزمان والمكان. فالزمان والمكان عرضان زائلان، أما الحقيقة الكبرى في هذا الكون- حقيقة الإيمان والكفر- فهي أضخم وأبرز من عرضي الزمان والمكان:
«ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود. والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله. جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم، وقالوا: إنا كفرنا بما أرسلتم به، وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب.
قالت رسلهم: أفي الله شك فاطر السماوات والأرض، يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم، ويؤخركم إلى أجل مسمى؟ قالوا: إن أنتم إلا بشر مثلنا، تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا، فأتونا بسلطان مبين.
قالت لهم رسلهم: إن نحن إلا بشر مثلكم، ولكن الله يمن على من يشاء من عباده، وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله، وعلى الله فليتوكل المؤمنون. وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا، ولنصبرن على ما آذيتمونا. وعلى الله فليتوكل المتوكلون. وقال الذين كفروا لرسلهم: لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا. فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين، ولنسكننكم الأرض من بعدهم. ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد.
«وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ، يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ، وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ، وَما هُوَ بِمَيِّتٍ، وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ» ..
فها هنا تتجمع الأجيال من لدن نوح وتتجمع الرسل ويتلاشى الزمان والمكان وتبرز الحقيقة الكبرى:
حقيقة الرسالة وهي واحدة. واعتراضات الجاهليين عليها وهي واحدة. وحقيقة نصر الله للمؤمنين وهي واحدة. وحقيقة استخلاف الله للصالحين وهي واحدة. وحقيقة الخيبة والخذلان للمتجبرين وهي واحدة.
وحقيقة العذاب الذي ينتظرهم هناك وهي واحدة.. وذلك إلى التماثل بين قول الله لمحمد- صلى الله عليه وسلم-:

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2079
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست