نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2068
والمنهج القرآني في الدعوة يجمع بين الحديث عن كتاب الله المتلوّ- وهو هذا القرآن- وبين كتاب الكون المفتوح ويجعل الكون بجملته مصدر إيحاء للكينونة البشرية بما فيه من دلائل شاهدة بسلطان الله وتقديره وتدبيره.
كما يضم إلى هذين الكتابين سجل التاريخ البشري، وما يحفظه من دلائل ناطقة بالسلطان والتقدير والتدبير أيضاً. ويواجه الكينونة البشرية بهذا كله ويأخذ عليها أقطارها جميعاً وهو يخاطب حسها وقلبها وعقلها جميعا! وهذه السورة تحوي الكثير من النماذج الباهرة في عرض صفحات الكتاب الكوني- عقب الكتاب القرآني- في مواجهة الكينونة البشرية بجملتها.. وهذه بعض هذه النماذج:
«المر. تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ. وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ.»
«اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى، يُدَبِّرُ الْأَمْرَ، يُفَصِّلُ الْآياتِ، لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ. وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ، وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً، وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ، وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ، وَزَرْعٌ، وَنَخِيلٌ- صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ- يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ، وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» ..
يحشد السياق هذه المشاهد الكونية، ليحيل الكون كله شاهداً ناطقاً بسلطان الله- سبحانه- في الخلق والإنشاء، والتقدير والتدبير. ثم يعجّب من أمر قوم يرون هذه الشواهد كلها، ثم يستكثرون قضية البعث والنشأة الأخرى، ويكذبون بالوحي من أجل أنه يقرر هذه الحقيقة القريبة.. القريبة في ظل تلك المشاهد العجيبة..
«وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ: أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ؟ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ، وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ، وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ» ..
«هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً، وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ. وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ، وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ ... » ..
يعرض هذه الصفحة من الوجود الكوني ليعجّب من أمر قوم يجادلون في الله ويشركون به، وهم يشاهدون آثار ربوبيته وقدرته وسلطانه، ودينونة الكون له، وتصريفه وتدبيره لأمر العباد فيه وعجز كل من عداه- سبحانه- عن الخلق والتدبير والتقدير:
«وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ، وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ. لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ، وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ- وَما هُوَ بِبالِغِهِ- وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ. وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً، وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ.. قُلْ: مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ؟ قُلِ: اللَّهُ. قُلْ: أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا؟ قُلْ: هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ؟ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ؟ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ؟ قُلِ: اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ» .
وهكذا يستحيل الكون معرضاً باهراً لدلائل القدرة وموحيات الإيمان، يخاطب الفطرة بالمنطق الشامل العميق ويخاطب الكينونة البشرية جملة، بكل ما فيها من قوى الإدراك الباطنة والظاهرة، في تناسق عجيب.
ثم يضيف إلى صفحات الكتاب الكوني، صفحات التاريخ الإنساني ويعرض آثار القدرة والسلطان
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2068