نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2066
وتنتهي السورة وقد طوفت بالقلب البشري في أرجاء الكون، وأرجاء النفس، ووقعت عليه إيقاعات مطردة مؤثرة عميقة. وتركته بعد ذلك إلى شهادة الله التي جاء بها المطلع وجاء بها الختام، والتي يحسم بها كل جدل، وينتهي بعدها كل كلام..
وبعد.. ففي السورة معالم للعقيدة الإسلامية، وللمنهج القرآني في عرض هذه العقيدة.. وكان من حق هذه المعالم أن نقف عندها في مواضعها لولا أننا آثرنا ألا نقطع تدفق السياق القرآني في هذه السورة بتلك الوقفات وأن نبقيها إلى النهاية لنقف أمامها متمهلين! وقد أشرنا في أثناء استعراض السورة في سياقها إلى تلك المعالم إشارات سريعة فنرجو أن نقف عندها الأن وقفات أطول بقدر المستطاع.
.. والله المستعان..
إن افتتاح السورة، وطبيعة الموضوعات التي تعالجها، وكثيراً من التوجيهات فيها.. كل أولئك يدل دلالة واضحة على أن السورة مكية- وليست مدنية كما جاء في بعض الروايات والمصاحف- وأنها نزلت في فترة اشتد فيها الإعراض والتكذيب والتحدي من المشركين كما كثر فيها طلب الخوارق من الرسول- صلى الله عليه وسلم- واستعجال العذاب الذي ينذرهم به مما اقتضى حملة ضخمة تستهدف تثبيت الرسول- صلى الله عليه وسلم- ومن معه على الحق الذي أنزل إليه من ربه، في وجه المعارضة والإعراض، والتكذيب والتحدي والاستعلاء بهذا الحق، والإلتجاء إلى الله وحده وإعلان وحدانيته إلهاً ورباً والثبات على هذه الحقيقة والاعتقاد بأنها هي وحدها الحق، مهما كذب بها المشركون. كما تستهدف مواجهة المشركين بدلائل هذا الحق في الكون كله، وفي أنفسهم، وفي التاريخ البشري وأحداثه كذلك مع حشد جميع هذه المؤثرات ومخاطبة الكينونة البشرية بها خطاباً مؤثراً موحياً عميق الإيقاع قوي الدلالة.
وهذه نماذج من التوكيدات على أن هذا الكتاب هو وحده الحق وأن الإعراض عنه، والتكذيب به، والتحدي، وبطء الاستجابة، وو عورة الطريق.. كلها لا تغير شيئاً من تلك الحقيقة الكبيرة:
«تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ، وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ» .
«وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ. وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ! إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ، وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ» .
«لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ، وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ، إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ، وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ» .
« ... كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ. فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً، وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ. كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ» ..
- القرآن حق استنادا إلى ما سبق في السورة من قوله تعالى: «وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ من ربك» .. وهذا ما قد وقع فعلا في مكة.. ثم في المدينة. ونحن لا ننفي وجهة هذه الرواية. فقد تكون هي المقصودة.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2066