نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2060
إن الرد على طلبهم آية خارقة، أن الآيات ليست هي التي تقود الناس إلى الإيمان، فللإيمان دواعيه الأصيلة في النفوس، وأسبابه المؤدية إليه من فعل هذه النفوس:
«قل: إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب» ..
فالله يهدي من ينيبون إليه. فالإنابة إلى الله هي التي جعلتهم أهلاً لهداه. والمفهوم إذن أن الذين لا ينيبون هم الذين يستأهلون الضلال، فيضلهم الله. فهو استعداد القلب للهدى وسعيه إليه وطلبه، أما القلوب التي لا تتحرك إليه فهو عنها بعيد..
ثم يرسم صورة شفيفة للقلوب المؤمنة. في جو من الطمأنينة والأنس والبشاشة والسلام:
«الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ» ..
تطمئن بإحساسها بالصلة بالله، والأنس بجواره، والأمن في جانبه وفي حماه. تطمئن من قلق الوحدة، وحيرة الطريق. بإدراك الحكمة في الخلق والمبدأ والمصير. وتطمئن بالشعور بالحماية من كل اعتداء ومن كل ضر ومن كل شر إلا بما يشاء، مع الرضى بالابتلاء والصبر على البلاء. وتطمئن برحمته في الهداية والرزق والستر في الدنيا والآخرة:
«أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» ..
ذلك الاطمئنان بذكر الله في قلوب المؤمنين حقيقة عميقة يعرفها الذين خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم، فاتصلت بالله. يعرفونها، ولا يملكون بالكلمات أن ينقلوها إلى الآخرين الذين لم يعرفوها، لأنها لا تنقل بالكلمات، إنما تسري في القلب فيستروحها ويهش لها ويندى بها ويستريح إليها ويستشعر الطمأنينة والسلام، ويحس أنه في هذا الوجود ليس مفرداً بلا أنيس. فكل ما حوله صديق، إذ كل ما حوله من صنع الله الذي هو في حماه.
وليس أشقى على وجه هذه الأرض ممن يحرمون طمأنينة الأنس إلى الله. ليس أشقى ممن ينطلق في هذه الأرض مبتوت الصلة بما حوله في الكون، لأنه انفصم من العروة الوثقى التي تربطه بما حوله في الله خالق الكون. ليس أشقى ممن يعيش لا يدري لم جاء؟ ولم يذهب؟ ولم يعاني ما يعاني في الحياة؟ ليس أشقى ممن يسير في الأرض يوجس من كل شيء خيفة لأنة لا يستشعر الصلة الخفية بينه وبين كل شيء في هذا الوجود.
ليس أشقى في الحياة ممن يشق طريقه فريداً وحيداً شارداً في فلاة، عليه أن يكافح وحده بلا ناصر ولا هاد ولا معين.
وإن هناك للحظات في الحياة لا يصمد لها بشر إلا أن يكون مرتكناً إلى الله، مطمئناً إلى حماه، مهما اوتي من القوة والثبات والصلابة والاعتداد.. ففي الحياة لحظات تعصف بهذا كله، فلا يصمد لها إلا المطمئنون بالله:
«أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» ..
هؤلاء المنيبون إلى الله، المطمئنون بذكر الله، يحسن الله مآبهم عنده، كما أحسنوا الإنابة إليه وكما أحسنوا العمل في الحياة:
«الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ» ..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2060