نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2057
«الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ، وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ» ..
وعهد الله مطلق يشمل كل عهد، وميثاق الله مطلق يشمل كل ميثاق. والعهد الأكبر الذي تقوم عليه العهود كلها هو عهد الإيمان والميثاق الأكبر الذي تتجمع عليه المواثيق كلها هو ميثاق الوفاء بمقتضيات هذا الإيمان.
وعهد الإيمان قديم وجديد. قديم مع الفطرة البشرية المتصلة بناموس الوجود كله المدركة إدراكاً مباشراً لوحدة الإرادة التي صدر عنها الوجود، ووحدة الخالق صاحب الإرادة، وأنه وحده المعبود. وهو الميثاق المأخوذ على الذرية في ظهور بني آدم فيما ارتضيناه لها من تفسير.. ثم هو جديد مع الرسل الذين بعثهم الله لا لينشئوا عهد الإيمان ولكن ليجددوه ويذكروا به ويفصلوه، ويبينوا مقتضياته من الدينونة لله وحده والانخلاع من الدينونة لسواه، مع العمل الصالح والسلوك القويم، والتوجه به إلى الله وحده صاحب الميثاق القديم..
ثم تترتب على العهد الإلهي والميثاق الرباني كل العهود والمواثيق مع البشر. سواء مع الرسول أو مع الناس.
ذوي قرابة أو أجانب. أفراداً أم جماعات. فالذي يرعى العهد الأول يرعى سائر العهود، لأن رعايتها فريضة والذي ينهض بتكاليف الميثاق الأول يؤدي كل ما هو مطلوب منه للناس، لأن هذا داخل في تكاليف الميثاق.
فهي القاعدة الضخمة الأولى التي يقوم عليها بنيان الحياة كله. يقررها في كلمات.
«وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ، وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ» ..
هكذا في إجمال. فكل ما أمر الله به أن يوصل يصلونه. أي أنها الطاعة الكاملة والاستقامة الواصلة، والسير على السنة ووفق الناموس بلا انحراف ولا التواء. لهذا ترك الأمر مجملاً، ولم يفصل مفردات ما أمر الله به أن يوصل، لأن هذا التفصيل يطول، وهو غير مقصود، إنما المقصود هو تصوير الاستقامة المطلقة التي لا تلتوي، والطاعة المطلقة التي لا تتفلت، والصلة المطلقة التي لا تنقطع.. ويلمح عجز الآية إلى الشعور المصاحب في نفوسهم لهذه الطاعة الكاملة:
«وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ» ..
فهي خشية الله ومخافة العقاب الذي يسوء في يوم لقائه الرهيب. وهم أولو الألباب الذين يتدبرون الحساب قبل يوم الحساب.
«وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ» ..
والصبر ألوان. وللصبر مقتضيات. صبر على تكاليف الميثاق. من عمل وجهاد ودعوة واجتهاد.. الخ وصبر على النعماء والبأساء. وقل من يصبر على النعمة فلا يبطر ولا يكفر. وصبر على حماقات الناس وجهالاتهم وهي تضيق الصدور.. وصبر وصبر وصبر.. كله ابتغاء وجه ربهم، لا تحرجاً من أن يقول الناس: جذعوا. ولا تجملاً ليقول الناس: صبروا. ولا رجاء في نفع من وراء الصبر. ولا دفعاً لضر يأتي به الجزع. ولا لهدف واحد غير ابتغاء وجه الله، والصبر على نعمته وبلواه. صبر التسليم لقضائه والاستسلام لمشيئته والرضى والاقتناع..
«وَأَقامُوا الصَّلاةَ» ..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2057