responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2053
كان الأمر كذلك، في اتخاذ الشركاء، فلهم من صفات الله تلك القدرة على الخلق، التي بها يستحق المعبود العبادة وبدونها لا تقوم شبهة في عدم استحقاقه! وهو التهكم المر على القوم يرون كل شيء من خلق الله، ويرون هذه الآلهة المدعاة لم تخلق شيئاً، وما هي بخالقة شيئاً، إنما هي مخلوقة. وبعد هذا كله يعبدونها ويدينون لها في غير شبهة. وذلك أسخف وأحط ما تصل العقول إلى دركه من التفكير..
والتعقيب على هذا التهكم اللاذع، حيث لا معارضة ولا جدال، بعد هذا السؤال:
«قُلِ: اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ. وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ» ..
فهي الوحدانية في الخلق، وهي الوحدانية في القهر- أقصى درجات السلطان- وهكذا تحاط قضية الشركاء في مطلعها بسجود من في السماوات والأرض وظلالهم طوعاً وكرهاً لله وفي ختامها بالقهر الذي يخضع له كل شيء في الأرض أو في السماء.. وقد سبقته من قبل بروق ورعود وصواعق وتسبيح وتحميد عن خوف أو طمع.. فأين القلب الذي يصمد لهذا الهول، إلا أن يكون أعمى مطموساً يعيش في الظلمات، حتى يأخذه الهلاك؟! وقبل أن نغادر هذا الوادي نشير إلى التقابلات الملحوظة في طريقة الأداء. بين «خوفاً وطمعاً» وبين البرق الخاطف والسحاب الثقال- و «الثقال» هنا، بعد إشارتها إلى الماء، تشارك في صفة التقابل مع البرق الخفيف الخاطف- وبين تسبيح الرعد بحمده وتسبيح الملائكة من خيفته. وبين دعوة الحق ودعوة الجهد الضائع.
وبين السماوات والأرض، وسجود من فيهن طوعاً وكرهاً. وبين الشخوص والظلال. وبين الغدو والآصال.
وبين الأعمى والبصير. وبين الظلمات والنور. وبين الخالق القاهر والشركاء الذين لا يخلقون شيئاً، ولا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ... وهكذا يمضي السياق على نهجه في دقة ملحوظة ولألاء باهر وتنسيق عجيب.
ثم نمضي مع السياق. يضرب مثلاً للحق والباطل. للدعوة الباقية والدعوة الذاهبة مع الريح. للخير الهادئ والشر المتنفج. والمثل المضروب هنا مظهر لقوة الله الواحد القهار. ولتدبير الخالق المدبر المقدر للأشياء.
وهو من جنس المشاهد الطبيعية التي يمضي في جوها السياق.
«أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماء، فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها، فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً: وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ. كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ. فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً، وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ. كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ» ..
وإنزال الماء من السماء حتى تسيل به الوديان يتناسق مع جو البرق والرعد والسحاب الثقال في المشهد السابق ويؤلف جانباً من المشهد الكوني العام، الذي تجري في جوه قضايا السورة وموضوعاتها. وهو كذلك يشهد بقدرة الواحد القهار.. وأن تسيل هذه الأودية بقدرها، كل بحسبه، وكل بمقدار طاقته ومقدار حاجته يشهد بتدبير الخالق وتقديره لكل شيء.. وهي إحدى القضايا التي تعالجها السورة.. وليس هذا أو ذلك بعد إلا إطاراً للمثل الذي يريد الله ليضربه للناس من مشهود حياتهم الذي يمرون عليه دون انتباه.
إن الماء لينزل من السماء فتسيل به الأودية، وهو يلم في طريقه غثاء، فيطفو على وجهه في صورة الزبد

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2053
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست