responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2046
وتتمثل الأولى فيما تنبت الأرض: «وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ» . وتتمثل الثانية في ظاهرتي الليل والنهار: «يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ» .
والمشهد الأول يتضمن حقيقة لم تعرف للبشر من طريق علمهم وبحثهم إلا قريباً. هي أن كل الأحياء وأولها النبات تتألف من ذكر وأنثى، حتى النباتات التي كان مظنوناً أن ليس لها من جنسها ذكور، تبين أنها تحمل في ذاتها الزوج الآخر، فتضم أعضاء التذكير وأعضاء التأنيث مجتمعة في زهرة، أو متفرقة في العود. وهي حقيقة تتضامن مع المشهد في إثارة الفكر إلى تدبر أسرار الخلق بعد تملي ظواهره.
والمشهد الثاني مشهد الليل والنهار متعاقبين، هذا يغشي ذاك، في انتظام عجيب. هو ذاته مثار تأمل في مشاهد الطبيعة، فقدوم ليل وإدبار نهار أو إشراق فجر وانقشاع ليل، حادث تهوّن الألفة من وقعه في الحس، ولكنه في ذاته عجب من العجب، لمن ينفض عنه موات الألفة وخمودها، ويتلقاه بحس الشاعر المتجدد، الذي لم يجمده التكرار.. والنظام الدقيق الذي لا تتخلف معه دورة الفلك هو بذاته كذلك مثار تأمل في ناموس هذا الكون، وتفكير في القدرة المبدعة التي تدبره وترعاه: «إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» ..
ونقف كذلك هنا وقفة قصيرة أمام التقابلات الفنية في المشهد قبل أن نجاوزه إلى ما وراءه.. التقابلات بين الرواسي الثابتة والأنهار الجارية. وبين الزوج والزوج في كل الثمرات. وبين الليل والنهار. ثم بين مشهد الأرض كله ومشهد السماء السابق. وهما متكاملان في المشهد الكوني الكبير الذي يضمهما ويتألف منهما جميعاً.
ثم تمضي الريشة المبدعة في تخطيط وجه الأرض بخطوط جزئية أدق من الخطوط العريضة الأولى:
«وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ، وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ، وَزَرْعٌ، وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ، يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» ..
وهذه المشاهد الأرضية، فينا الكثيرون يمرون عليها فلا تثير فيهم حتى رغبة التطلع إليها! إلا أن ترجع النفس إلى حيوية الفطرة والاتصال بالكون الذي هي قطعة منه، انفصلت عنه لتتأمله ثم تندمج فيه..
«وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ» ..
متعددة الشيات، وإلا ما تبين أنها «قطع» فلو كانت متماثلة لكانت قطعة.. منها الطيب الخصب، ومنها السبخ النكد. ومنها المقفر الجدب، ومنها الصخر الصلد. وكل واحد من هذه وتلك انواع وألوان ودرجات.
ومنها العامر والغامر. ومنها المزروع الحي والمهمل الميت. ومنها الريان والعطشان. ومنها ومنها ومنها.. وهي كلها في الأرض متجاورات.
هذه اللمسة العريضة الأولى في التخطيط التفصيلي.. ثم تتبعها تفصيلات: «وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ» . «وزرع» .
«ونخيل» تمثل ثلاثة أنواع من النبات، الكرام المتسلق. والنخل السامق. والزرع من بقول وأزهار وما أشبه.
مما يحقق تلوين المنظر، وملء فراغ اللوحة الطبيعية، والتمثيل لمختلف أشكال النبات.
ذلك النخيل. صنوان وغير صنوان. منه ما هو عود واحد. ومنه ما هو عودان أو أكثر في أصل واحد..
وكله «يسقى بماء واحد» والتربة واحدة، ولكن الثمار مختلفات الطعوم:
«ونفضل بعضها على بعض في الأكل» .
فمن غير الخالق المدبر المريد يفعل هذا وذاك؟!

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2046
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست