نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2028
ومنذ اللحظة نحن أمام مفاجأة في القصة بعد مفاجأة، حتى تنتهي مشاهدها المثيرة بتأويل رؤيا الصبي الصغير.
«ولما فصلت العير قال أبوهم: إني لأجد ريح يوسف. لولا أن تفندون!» ..
ريح يوسف! كل شيء إلا هذا. فما يخطر على بال أحد أن يوسف بعد في الأحياء بعد هذا الأمد الطويل.
وأن له ريحاً يشمها هذا الشيخ الكليل! إني لأجد ريح يوسف. لولا أن تقولوا شيخ خرف: «لولا أن تفندون» .. لصدقتم معي ما أجده من ريح الغائب البعيد.
كيف وجد يعقوب ريح يوسف منذ أن فصلت العير. ومن أين فصلت؟ يقول بعض المفسرين: إنها منذ فصلت من مصر، وأنه شم رائحة القميص من هذا المدى البعيد. ولكن هذا لا دلالة عليه. فربما كان المقصود لما فصلت العير عند مفارق الطرق في أرض كنعان، واتجهت إلى محلة يعقوب على مدى محدود.
ونحن بهذا لا ننكر أن خارقة من الخوارق يمكن أن تقع لنبي كيعقوب من ناحية نبي كيوسف. كل ما هنالك أننا نحب أن نقف عند حدود مدلول النص القرآني أو رواية ذات سند صحيح. وفي هذا لم ترد رواية ذات سند صحيح. ودلالة النص لا تعطي هذا المدى الذي يريده المفسرون! ولكن المحيطين بيعقوب لم يكن لهم ما له عند ربه، فلم يجدوا ما وجد من رائحة يوسف:
«قالوا: تالله. إنك لفي ضلالك القديم» ..
في ضلالك بيوسف، وضلالك بانتظاره وقد ذهب مذهب الذي لا يعود.
ولكن المفاجأة البعيدة تقع، وتتبعها مفاجأة أخرى:
«فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه، فارتد بصيراً» ..
مفاجأة القميص. وهو دليل على يوسف وقرب لقياه. ومفاجأة ارتداد البصر بعد ما ابيضت عيناه.. وهنا يذكر يعقوب حقيقة ما يعلمه من ربه. تلك التي حدثهم بها من قبل فلم يفهموه:
«قال: ألم أقل لكم: إني أعلم من الله ما لا تعلمون؟» ..
«قالُوا: يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ» ..
ونلمح هنا أن في قلب يعقوب شيئاً من بنيه، وأنه لم يصف لهم بعد، وإن كان يعدهم باستغفار الله لهم بعد أن يصفو ويسكن ويستريح:
«قال: سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم» .
وحكاية عبارته بكلمة «سوف» لا تخلو من إشارة إلى قلب إنساني مكلوم..
ويمضي السياق في مفاجات القصة. فيطوي الزمان والمكان، لنلتقي في المشهد النهائي المؤثر المثير:
«فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه. وقال: ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين. ورفع أبويه على العرش، وخروا له سجداً، وقال: يا أبت، هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً، وقد أحسن بي إذ أخرجني
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2028