نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2010
الإسلامي وأحكامه الفقهية لا يمكن أن تتحرك في فراغ لأنها بطبيعتها لم تنشأ في فراغ، ولم تتحرك في فراغ كذلك! إن المجتمع الإسلامي ينشأ بتركيب عضوي آخر غير التركيب العضوي للمجتمع الجاهلي.. ينشأ من أشخاص ومجموعات وفئات جاهدت- في وجه الجاهلية- لإنشائه وتحددت أقدارها وتميزت مقاماتها في ثنايا تلك الحركة.
إنه مجتمع جديد.. ومجتمع وليد.. ومجتمع متحرك دائماً في طريقه لتحرير «الإنسان» ،.. كل الإنسان..
في «الأرض» .. كل الأرض.. من العبودية لغير الله، ولرفع هذا الإنسان عن ذلة العبودية للطواغيت..
أياً كانت هذه الطواغيت..
ومثل قضية التزكية وطلب الإمارة، واختيار الإمام، واختيار أهل الشورى ... وما إليها ... قضايا كثيرة تثار، ويطرقها الباحثون في الإسلام.. في الفراغ.. في هذا المجتمع الجاهلي الذي نعيش فيه.. بتركيبه العضوي المختلف تماماً عن التركيب العضوي للمجتمع المسلم.. وبقيمه وموازينه واعتباراته وأخلاقه ومشاعره وتصوراته المختلفة تماماً عن قيم المجتمع المسلم وموازينه واعتباراته وأخلاقه ومشاعره وتصوراته..
أعمال البنوك وأساسها الربوي.. شركات التأمين وقاعدتها الربوية.. تحديد النسل وما أدري ماذا؟! إلى آخر هذه «المشكلات» التي يشغل «الباحثون» بها أنفسهم أو يجيبون فيها عن استفتاءات توجه إليهم..
إنهم جميعاً- مع الأسف- يبدأون من نقطة البدء في المتاهة! يبدأون من افتراض أن قواعد النظام الإسلامي وأحكامه سيجاء بها لتطبق على هذه المجتمعات الجاهلية الحاضرة بتركيبها العضوي الحاضر فتنتقل هذه المجتمعات إذن- متى طبقت عليها أحكام الإسلام- إلى الإسلام! وهي تصورات مضحكة لولا أنها محزنة! إن الفقه الإسلامي بكل أحكامه ليس هو الذي أنشأ المجتمع المسلم. إنما المجتمع المسلم بحركته- في مواجهة الجاهلية ابتداء- ثم بحركته في مواجهة حاجة الحياة الحقيقية ثانياً، هو الذي أنشأ الفقه الإسلامي مستمداً من أصول الشريعة الكلية.. والعكس لا يمكن أن يكون أصلاً! إن الفقه الإسلامي لا ينشأ في فراغ، ولا يعيش في فراغ كذلك.. لا ينشأ في الأدمغة والأوراق إنما ينشأ في واقع الحياة. وليست أية حياة. إنما هي حياة المجتمع المسلم على وجه التحديد.. ومن ثم لا بد أن يوجد المجتمع المسلم أولاً بتركيبه العضوي الطبيعي فيكون هو الوسط الذي ينشأ فيه الفقه الإسلامي ويطبق..
وعندئذ تختلف الأمور جداً..
وساعتها قد يحتاج ذلك المجتمع الخاص- بعد نشأته في مواجهة الجاهلية وتحركه في مواجهة الحياة- إلى البنوك وشركات التأمين وتحديد النسل ... الخ وقد لا يحتاج! ذلك أننا لا نملك سلفاً أن نقدر أصل حاجته، ولا حجمها، ولا شكلها، حتى نشرع لها سلفاً! كما أن ما لدينا من أحكام هذا الدين لا يطابق حاجات المجتمعات الجاهلية ولا يلبيها.. ذلك أن هذا الدين لا يعترف ابتداء بشرعية وجود هذه المجتمعات الجاهلية ولا يرضى ببقائها. ومن ثم فهو لا يعني نفسه بالاعتراف بحاجاتها الناشئة من جاهليتها ولا بتلبيتها كذلك! إن المحنة الحقيقية لهؤلاء الباحثين أنهم يتصورون أن هذا الواقع الجاهلي هو الأصل، الذي يجب على دين الله أن يطابق نفسه عليه! ولكن الأمر غير ذلك تماماً.. إن دين الله هو الأصل الذي يجب على البشرية
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2010