responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2008
وفي أثناء الحركة بهذا الدين- وقد لا حظنا أنها لا تتوقف عند إقامة الدولة المسلمة في بقعة من الأرض، ولا تقف عند حدود أرض أو جنس أو قوم- تتميز أقدار الناس، وتتحدد مقاماتهم في المجتمع، ويقوم هذا التحديد وذلك التميز على موازين وقيم إيمانية، الجميع يتعارفون عليها، من البلاء في الجهاد، والتقوى والصلاح والعبادة والأخلاق والقدرة والكفاءة.. وكلها قيم يحكم عليها الواقع، وتبرزها الحركة، ويعرفها المجتمع ويعرف المتسمين بها.. ومن ثم لا يحتاج أصحابها أن يزكوا أنفسهم، ولا أن يطلبوا الإمارة أو مراكز الشورى والتوجيه على أساس هذه التزكية..
وفي المجتمع المسلم الذي نشأ هذه النشأة، وقام تركيبه العضوي على أساس التميز في أثناء الحركة بتلك القيم الإيمانية- كما حدث في المجتمع المسلم من تميز السابقين من المهاجرين ثم الأنصار. وأهل بدر، وأهل بيعة الرضوان، ومن أنفق من قبل الفتح وقاتل- ثم ظل يتميز الناس فيه بحسن البلاء في الإسلام.. في هذا المجتمع لا يبخس الناس بعضهم بعضاً، ولا ينكر الناس فضائل المتميزين- مهما غلب الضعف البشري أصحابه أحياناً فغلبتهم الأطماع- وعندئذ تنتفي الحاجة- من جانب آخر- إلى أن يزكي المتميزون أنفسهم ويطلبوا الإمارة أو مراكز الشورى والتوجيه على أساس هذه التزكية..
ولقد يخيل للناس الآن أن هذه خاصية متفردة للمجتمع المسلم الأول بسبب نشأته التاريخية! ولكنهم ينسون أن أي مجتمع مسلم لن يوجد إلا بمثل هذه النشأة.. لن يوجد اليوم أو غداً، إلا أن تقوم دعوة لإدخال الناس في هذا الدين من جديد، وإخراجهم من الجاهلية التي صاروا إليها.. وهذه نقطة البدء.. ثم تعقبها الفتنة والابتلاء- كما حدث أول مرة- فأما ناس فيفتنون ويرتدون! وأما ناس فيصدقون ما عاهدوا الله عليه فيقضون نحبهم ويموتون شهداء. وأما ناس فيصبرون ويصابرون ويصرون على الإسلام، ويكرهون أن يعودوا إلى الجاهلية كما يكره أحدهم أن يلقى في النار حتى يحكم الله بينهم وبين قومهم بالحق، ويمكّن لهم في الأرض- كما مكن للمسلمين أول مرة- فيقوم في أرض من أرض الله نظام إسلامي.. ويومئذ تكون الحركة من نقطة البدء إلى قيام النظام الإسلامي قد ميزت المجاهدين المتحركين إلى طبقات إيمانية، وفق الموازين والقيم الإيمانية.. ويومئذ لن يحتاج هؤلاء إلى ترشيح أنفسهم وتزكيتها، لأن مجتمعهم الذي جاهد كله معهم يعرفهم ويزكيهم ويرشحهم! ولقد يقال بعد هذا: ولكن هذا يكون في المرحلة الأولى. فإذا استقر المجتمع بعد ذلك؟ وهذا سؤال من لا يعرف طبيعة هذا الدين! إن هذا الدين يتحرك دائماً ولا يكف عن الحركة.. يتحرك لتحرير «الإنسان» .
كل الإنسان.. في «الأرض» .. كل الأرض.. من العبودية لغير الله وليرفعه عن العبودية للطواغيت بلا حدود من الأرض أو الجنس أو القوم أو أي مقوم من المقومات البشرية الأرضية الهزيلة السخيفة! وإذن فستظل الحركة- التي هي طبيعة هذا الدين الأصيلة- تميز أصحاب البلاء وأصحاب الكفايات والمواهب ولا تقف أبداً ليركد هذا المجتمع ويأسن- إلا أن ينحرف عن الإسلام- وسيظل الحكم الفقهي- الخاص بتحريم تزكية النفس وطلب العمل على أساس هذه التزكية- قائماً وعاملاً في محيطه الملائم.. ذات المحيط الذي نشأ أول مرة وعمل فيه.
ثم يقال: ولكن المجتمع حين يتسع لا يعرف الناس بعضهم بعضاً ويصبح الأكفاء الموهوبون في حاجة إلى الإعلان عن أنفسهم وتزكيتها وطلب العمل على أساس هذه التزكية! وهذا القول كذلك وهم ناشئ من التأثر بواقع المجتمعات الجاهلية الحاضرة.. إن المجتمع المسلم يكون

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2008
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست