نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1995
ولقد حكى القرآن عن يوسف استعمال كلمة «رب» بمدلولها الكامل، بالقياس إليه وبالقياس إلى رسول الملك إليه. فالملك رب هذا الرسول لأنه هو حاكمه الذي يدين لسلطانه. والله رب يوسف لأنه هو حاكمه الذي يدين لسلطانه..
ورجع الرسول فأخبر الملك وأحضر الملك النسوة يستجوبهن- والسياق يحذف هذا لنعلمه مما يليه-:
«قالَ: ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ؟» ..
والخطب: الأمر الجلل والمصاب. فكأن الملك كان قد استقصى فعلم أمرهن قبل أن يواجههن، وهو المعتاد في مثل هذه الأحوال، ليكون الملك على بينة من الأمر وظروفه قبل الخوض فيه. فهو يواجههن مقرراً الاتهام، ومشيراً إلى أمر لهن جلل أو شأن لهن خطير:
«ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ؟» .
ومن هذا نعلم شيئاً مما دار في حفل الاستقبال في بيت الوزير ما قالته النسوة ليوسف وما لَمّحن به وأشرن إليه، من الإغراء الذي يبلغ درجة المراودة. ومن هذا نتخيل صورة لهذه الأوساط ونسائها حتى في ذلك العهد الموغل في التاريخ. فالجاهلية دائماً هي الجاهلية. إنه حيثما كان الترف، وكانت القصور والحاشية، كان التخلل والتميع والفجور الناعم الذي يرتدي ثياب الأرستقراطية! وفي مثل هذه المواجهة بالاتهام في حضرة الملك، يبدو أنه لم يكن هنالك مجال للإنكار:
«قُلْنَ: حاشَ لِلَّهِ! ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ» ! وهي الحقيقة التي يصعب إنكارها. ولو من مثل هؤلاء النسوة. فقد كان أمر يوسف إذن من النصاعة والوضوح بحيث لا يقوم فيه جدال.
وهنا تتقدم المرأة المحبة ليوسف، التي يئست منه، ولكنها لا تستطيع أن تخلص من تعلقها به.. تنقدم لتقول كل شيء في صراحة:
«قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ: الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ. أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ. وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ» ..
الآن حصحص الحق وظهر ظهوراً واضحاً لا يحتمل الخفاء:
«أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ» ..
وزادت ما يكشف عن أن قلبها لم يخل من إيثاره ورجاء تقديره والتفاته بعد كل هذا الأمد وما يشي كذلك بأن عقيدة يوسف قد أخذت طريقها إلى قلبها فآمن:
«ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ، وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ» ..
وهذا الاعتراف وما بعده يصوره السياق هنا بألفاظ موحية، تشي بما وراءها من انفعالات ومشاعر.
كما يشي الستار الرقيق بما وراءه في ترفع وتجمل في التعبير:
«أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ» ..
شهادة كاملة بنظافته وبراءته وصدقه. لا تبالي المرأة ما وراءها مما يلم بها هي ويلحق بأردانها.. فهل هو الحق وحده الذي يدفعها لهذا الإقرار الصريح في حضرة الملك والملأ؟
يشي السياق بحافز آخر، هو حرصها على أن يحترمها الرجل المؤمن الذي لم يعبأ بفتنتها الجسدية. أن يحترمها تقديراً لإيمانها ولصدقها وأمانتها في حقه عند غيبته:
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1995