نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1993
يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ، إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ [1] . قالُوا: أَضْغاثُ أَحْلامٍ، وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ» ..
طلب الملك تأويل رؤياه. فعجز الملأ من حاشيته ومن الكهنة عن تأويلها، أو أحسوا أنها تشير إلى سوء لم يريدوا أن يواجهوا به الملك على طريقة رجال الحاشية في إظهار كل ما يسر الحكام وإخفاء ما يزعجهم.
وصرف الحديث عنه! فقالوا: إنها «أَضْغاثُ أَحْلامٍ» أي أخلاط أحلام مضطربة وليست رؤيا كاملة تحتمل التأويل. «وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ» .. إذا كانت أضغاثاً مختلطة لا تشير إلى شيء! والآن لقد مرت بنا رؤى ثلاث: رؤيا يوسف، ورؤيا صاحبي السجن، ورؤيا الملك. وطلب تأويلها في كل مرة، والاهتمام بها يعطينا صورة من جو العصر كله في مصر وخارج مصر- كما أسلفنا- وأن الهبة اللدنية التي وهبها يوسف كانت من روح العصر وجوه، على ما نعهد في معجزات الأنبياء، فهل كانت هذه هي معجزة يوسف؟ ولكن هذا بحث ليس مكانه هذه الظلال. فنكمل حديث رؤيا الملك الآن! هنا تذكر أحد صاحبيه في السجن، الذي نجا منهما وأنساه الشيطان ذكر ربه، وذكر يوسف في دوامة القصر والحاشية والعصر والخمر والشراب.. هنا تذكر الرجل الذي أوّلَ له رؤياه ورؤيا صاحبه، فتحقق التأويل:
«وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ [2] : أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ» ! أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون.. ويسدل الستار هنا، ليرفع في السجن على يوسف وصاحبه هذا يستفتيه:
«يُوسُفُ- أَيُّهَا الصِّدِّيقُ- أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ: وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ، لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ» ..
والساقي يلقب يوسف بالصدّيق، أي الصادق الكثير الصدق. وهذا ما جربه في شأنه من قبل..
«أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ ... » ..
ونقل الفاظ الملك التي قالها كاملة، لأنه يطلب تأويلها، فكان دقيقاً في نقلها، وأثبتها السياق مرة أخرى ليبين هذه الدقة أولاً، وليجيء تأويلها ملاصقاً في السياق لذكرها.
ولكن كلام يوسف هنا ليس هو التأويل المباشر المجرد، إنما هو التأويل والنصح بمواجهة عواقبه. وهذا أكمل:
«قالَ: تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً» ..
أي.. متوالية متتابعة. وهي السنوات السبع المخصبة المرموز لها بالبقرات السمان.
«فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ» ..
أي فاتركوه في سنابله لأن هذا يحفظه من السوس والمؤثرات الجوية.
«إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ» .. [1] تعبرون: أي تصلون إلى نهايتها وتذكرون مآلها. [.....] [2] بعد أمة من السنين أو الأوقات: أي مجموعة. والمقصود عدد من السنين هي بضع سنين ما بين ثلاث وتسع.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1993