نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1960
إن مصر في هذه الفترة لم يكن يحكمها الفراعنة من الأسر المصرية إنما كان يحكمها «الرعاة» الذين عاش إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب قريبا منهم، فعرفوا شيئا عن دين الله منهم. نأخذ هذا من ذكر القرآن للملك بلقب «الملك» في حين يسمى الملك الذي جاء على عهد موسى- عليه السلام- من بعد بلقبه المعروف. «فرعون» .. ومن هذا يتحدد زمن وجود يوسف- عليه السلام- في مصر فهو كان ما بين عهد الأسرة الثالثة عشرة والأسرة السابعة عشرة وهي أسر «الرعاة» الذين سماهم المصريون «الهكسوس» ! كراهية لهم إذ يقال: إن معنى الكلمة في اللغة المصرية القديمة: «الخنازير» أو «رعاة الخنازير» ! وهي فترة تستغرق نحو قرن ونصف قرن.
إن رسالة يوسف عليه السلام كانت في هذه الفترة. وهو كان قد بدأ الدعوة إلى الإسلام.. ديانة التوحيد الخالص.. وهو في السجن وقرر أنها دين آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب وقررها في صورة واضحة كاملة دقيقة شاملة. فيما حكاه القرآن الكريم من قوله:
«إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله، وهم بالآخرة هم كافرون. واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء، ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لا يشكرون.
يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار؟ ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان، إن الحكم إلا لله، أمر ألا تعبدوا إلا إياه. ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون» ..
وهي صورة للإسلام واضحة كاملة ودقيقة شاملة- كما جاء به رسل الله جميعا- من ناحية أصول العقيدة.
تحتوي، الإيمان بالله، والإيمان بالآخرة، وتوحيد الله وعدم الشرك به أصلا، ومعرفة الله سبحانه بصفاته..
الواحد، القهار.. والحكم بعدم وجود حقيقة ولا سلطان لغيره أصلا ومن ثم نفي الأرباب التي تتحكم في رقاب العباد، وإعلان السلطان والحكم لله وحده، ما دام أن الله أمر ألا يعبد الناس غيره. ومزاولة السلطان والحكم والربوبية هي تعبيد للناس مخالف للأمر بعبادة الله وحده. وتحديد معنى «العبادة» بأنها الخضوع للسلطان والحكم والإذعان للربوبية، وتعريف الدين القيم بأنه إفراد الله سبحانه بالعبادة- أي إفراده بالحكم- فهما مترادفان أو متلازمان: «إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ، أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ. ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ» ..
وهذه هي أوضح صورة للإسلام وأكملها وأدقها وأشملها..
وواضح أن يوسف- عليه السلام- عند ما سيطر على مقاليد الأمور في مصر، استمر في دعوته للإسلام على هذا النحو الواضح الكامل الدقيق الشامل.. ولا بد أن الإسلام انتشر في مصر على يديه- وهو يقبض على أقوات الناس وأزوادهم لا على مجرد مقاليد الحكم بينهم- وانتشر كذلك في البقاع المجاورة ممن كانت وفودها تجيء لتقتات مما تم ادخاره بحكمته وتدبيره- وقد رأينا إخوة يوسف يجيئون من أرض كنعان المجاورة في الأردن ضمن غيرهم من القوافل ليمتاروا من مصر ويتزودوا، مما يصور حالة الجدب التي حلت بالمنطقة كلها في هذه الفترة.
والقصة تشير إلى آثار باهتة للعقيدة الإسلامية التي عرف الرعاة شيئا عنها في أول القصة، كما تشير إلى انتشار هذه العقيدة ووضوحها بعد دعوة يوسف بها.
والإشارة الأولى وردت في حكاية قول النسوة حين طلع عليهن يوسف:
«فلما رأينه أكبرنه، وقطعن أيديهن وقلن: حاش لله! ما هذا بشراً. إن هذا إلا ملك كريم» ..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1960