نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1919
فهو يذكرهم بها هنا، مع ذكر الخير الباقي لهم عند الله إن آمنوا كما دعاهم، واتبعوا نصيحته في المعاملات.
وهي فرع عن ذلك الإيمان.
«بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ.. إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» ..
ثم يخلي بينهم وبين الله الذي دعاهم إليه، ويبين لهم أنه هو لا يملك لهم شيئاً، كما أنه ليس موكلاً بحفظهم من الشر والعذاب. وليس موكلاً كذلك بحفظهم من الضلال ولا مسؤولاً عنهم إن هم ضلوا، إنما عليه البلاغ وقد أداه:
«وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ» ..
ومثل هذا الأسلوب يشعر المخاطبين بخطورة الأمر، وبثقل التبعة، ويقفهم وجهاً لوجه أمام العاقبة بلا وسيط ولا حفيظ.
ولكن القوم كانوا قد عتوا ومردوا على الانحراف والفساد، وسوء الاستغلال:
«قالوا: يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا، أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء؟ إنك لأنت الحليم الرشيد!» ..
وهو رد واضح التهكم، بيّن السخرية في كل مقطع من مقاطعة. وإن كانت سخرية الجاهل المطموس، والمعاند بلا معرفة ولا فقه.
«أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا؟» ..
فهم لا يدركون- أولا يريدون أن يدركوا- أن الصلاة هي من مقتضيات العقيدة، ومن صور العبودية والدينونة. وأن العقيدة لا تقوم بغير توحيد الله، ونبذ ما يعبدونه من دونه هم وآباؤهم، كما أنها لا تقوم إلا بتنفيذ شرائع الله في التجارة وفي تداول الأموال وفي كل شأن من شئون الحياة والتعامل. فهي لحمة واحدة لا يفترق فيها الاعتقاد عن الصلاة عن شرائع الحياة وعن أوضاع الحياة.
وقبل أن نمضي طويلاً في تسفيه هذا التصور السقيم لارتباط الشعائر بالعقيدة. وارتباطهما معاً بالمعاملات..
قبل أن نمضي طويلاً في تسفيه هذا التصور من أهل مدين قبل ألوف السنين، يحسن أن نذكر أن الناس اليوم لا يفترقون في تصورهم ولا في إنكارهم لمثل هذه الدعوة عن قوم شعيب. وأن الجاهلية التي نعيش فيها اليوم ليست أفضل ولا أذكى ولا أكثر إدراكاً من الجاهلية الأولى! وأن الشرك الذي كان يزاوله قوم شعيب هو ذاته الشرك الذي تزاوله اليوم البشرية بجملتها- بما فيها أولئك الذين يقولون: إنهم يهود أو نصارى أو مسلمون- فكلهم يفصل بين العقيدة والشعائر. والشريعة والتعامل. فيجعل العقيدة والشعائر لله ووفق أمره، ويجعل الشريعة والتعامل لغير الله، ووفق أمر غيره.. وهذا هو الشرك في حقيقته وأصله..
وإن كان لا يفوتنا أن اليهود وحدهم اليوم هم الذين يتمسكون بأن تكون أوضاعهم ومعاملاتهم وفق ما يزعمونه عقيدتهم وشريعتهم- وذلك بغض النظر عما في هذه العقيدة من انحراف وما في هذه الشريعة من تحريف- فلقد قامت أزمة في «الكنيست» مجلس تشريعهم في إسرائيل بسبب أن باخرة إسرائيلية تقدم لركابها- من غير اليهود- أطعمة غير شرعية. وأرغمت الشركة والسفينة على تقديم الطعام الشرعي وحده- مهما تعرضت للخسارة- فأين من يدعون أنفسهم «مسلمين!» من هذا الاستمساك بالدين؟!!
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1919