responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 1915
«فأسر بأهلك بقطع من الليل، ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك. إنه مصيبها ما أصابهم، إن موعدهم الصبح. أليس الصبح بقريب؟» ..
والسرى: سير الليل، والقطع من الليل: بعضه، ولا يلتفت منكم أحد. أي لا يتخلف ولا يعوق.
لأن الصبح موعدهم مع الهلاك. فكل من بقي في المدينة فهو هالك مع الهالكين.
«أليس الصبح بقريب؟» ..
سؤال لإنعاش نفس لوط بعد ما ذاق. لتقريب الموعد وتأكيده. فهو قريب. مع مطلع الصباح. ثم يفعل الله بالقوم- بقوته- ما لم تكن قوة لوط التي تمناها فاعله! والمشهد الأخير. مشهد الدمار المروع، اللائق بقوم لوط:
«فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها، وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ. مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ» ..
فلما جاء موعد تنفيذ الأمر «جعلنا عاليها سافلها» .. وهي صورة للتدمير الكامل الذي يقلب كل شيء ويغير المعالم ويمحوها. وهذا القلب وجعل عاليها سافلها أشبه شيء بتلك الفطرة المقلوبة الهابطة المرتكسة من قمة الإنسان إلى درك الحيوان. بل أحط من الحيوان، فالحيوان واقف ملتزم عند حدود فطرة الحيوان..
«وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ» ..
حجارة ملوثة بالطين.. وهي كذلك مناسبة وعلى قدر المقام:
«منضود» .. متراكم بعضه يلاحق بعضاً.
هذه الحجارة.. «مسوّمة عند ربك» .. كما تسوم الماشية أي تربى وتطلق بكثرة. فكأنما هذه الحجارة مرباة! ومطلقة لتنمو وتتكاثر! لوقت الحاجة.. وهو تصوير عجيب يلقي ظله في الحس، ولا يفصح عنه التفسير، كما يفصح عنه هذا الظل الذي يلقيه..
«وما هي من الظالمين ببعيد» ..
فهي قريبة وتحت الطلب، وعند الحاجة تطلق فتصيب [1] ! والصورة التي يرسمها السياق هنا لهذه النازلة التي أصابت قوم لوط هي أشبه شيء ببعض الظواهر البركانية التي تخسف فيها الأرض فتبتلع ما فوقها ويصاحب هذا حمم وحجارة ووحل.. وعند ربك للظالمين كثير!!! ولا نقول هذا الكلام لنقول: إنه كان بركان من تلك البراكين، ثار في ذلك الوقت، فوقع ما وقع.
إننا لا ننفي هذا. فقد يكون هو الذي وقع فعلاً. ولكننا لا نجزم به كذلك ولا نقيد قدر الله بظاهرة واحدة مألوفة..
وقوام القول في هذه القضية وأمثالها أنه جائز أن يكون في تقدير الله وقوع انفجار بركاني في موعده في هذا الموعد ليحقق قدر الله في قوم لوط كما قدر في علمه القديم. وهذا التوقيت والتوافق شأن من شؤون ألوهيته سبحانه وربوبيته للكون وتصريفه لكل ما يجري فيه متناسقاً مع قدره بكل شيء وبكل حي فيه.
وجائز كذلك أن تكون هذه الظاهرة وقعت بقدر خاص تعلقت به مشيئة الله سبحانه لإهلاك قوم لوط

[1] من معاني مسومة: معلمة ذات علامة خاصة. والتعبير التصويري يجعل المعنى الذي اخترناه لها أقرب إلى التصوير.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 1915
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست