نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1907
«يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ» ..
وإنه كذلك المنهج الذي لا يتبدل:
«فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ» ..
ثم هو التعريف بحقيقة الألوهية كما يجدها في نفسه الرسول:
«إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ» ..
وذكرهم صالح بنشأتهم من الأرض. نشأة جنسهم، ونشأة أفرادهم من غذاء الأرض أو من عناصرها التي تتألف منها عناصر تكوينهم الجسدي. ومع أنهم من هذه الأرض. من عناصرها. فقد استخلفهم الله فيها ليعمروها. استخلفهم بجنسهم واستخلفهم بأشخاصهم بعد الذاهبين من قبلهم.
ثم هم بعد ذلك يشركون معه آلهة اخرى..
«فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ» ..
واطمئنوا إلى استجابته وقبوله:
«إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ» ..
والإضافة في «ربي» ولفظ «قريب» ولفظ «مجيب» واجتماعها وتجاورها.. ترسم صورة لحقيقة الألوهية كما تتجلى في قلب من قلوب الصفوة المختارة، وتخلع على الجو أنساً واتصالاً ومودة، تنتقل من قلب النبي الصالح إلى قلوب مستمعيه لو كانت لهم قلوب! ولكن قلوب القوم كانت قد بلغت من الفساد والاستغلاق والانطماس درجة لا تستشعر معها جمال تلك الصورة ولا جلالها، ولا تحس بشاشة هذا القول الرفيق، ولا وضاءة هذا الجو الطليق.. وإذا بهم يفاجأون، حتى ليظنون بأخيهم صالح الظنون! «قالُوا: يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا! أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا؟ وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ» ..
لقد كان لنا رجاء فيك. كنت مرجواً فينا لعلمك أو لعقلك أو لصدقك أو لحسن تدبيرك، أو لهذا جميعه.
ولكن هذا الرجاء قد خاب..
«أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا» ..
إنها للقاصمة! فكل شيء يا صالح إلا هذا! وما كنا لنتوقع أن تقولها! فيا لخيبة الرجاء فيك! ثم إننا لفي شك مما تدعونا إليه. شك يجعلنا نرتاب فيك وفيما تقول:
«وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ» ..
وهكذا يعجب القوم مما لا عجب فيه بل يستنكرون ما هو واجب وحق، ويدهشون لأن يدعوهم أخوهم صالح إلى عبادة الله وحده. لماذا؟ لا لحجة ولا لبرهان ولا لتفكير. ولكن لأن آباءهم يعبدون هذه الآلهة! وهكذا يبلغ التحجر بالناس أن يعجبوا من الحق البين. وأن يعللوا العقائد بفعل الآباء! وهكذا يتبين مرة وثانية وثالثة أن عقيدة التوحيد هي في صميمها دعوة للتحرر الشامل الكامل الصحيح.
ودعوة إلى إطلاق العقل البشري من عقال التقليد، ومن أوهاق الوهم والخرافة التي لا تستند إلى دليل.
وتذكرنا قولة ثمود لصالح:
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1907