نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1892
كل في زمانه حتى يأتي الرسول الأخير إلى الناس كافة- وأمة غير المسلمين من عبدة الطواغيت والأصنام في شتى الصور والأشكال على مدار القرون..
وعند ما أراد الله أن يعرف المسلمين بأمتهم التي تجمعهم على مدار القرون، عرفها لهم في صورة أتباع الرسل- كل في زمانه- وقال لهم في نهاية استعراض أجيال هذه الأمة: «إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ» .. ولم يقل للعرب: إن أمتكم هي الأمة العربية في جاهليتها وإسلامها سواء! ولا قال لليهود:
إن أمتكم هي بنو إسرائيل أو العبرانيون في جاهليتهم وإسلامهم سواء! ولا قال لسلمان الفارسي: إن أمتك هي فارس! ولا لصهيب الرومي: إن أمتك هي الرومان! ولا لبلال الحبشي: إن أمتك هي الحبشة! إنما قال للمسلمين من العرب والفرس والروم والحبش: إن أمتكم هي المسلمون الذين أسلموا حقاً على أيام موسى وهارون، وإبراهيم، ولوط، ونوح، وداود وسليمان، وأيوب، وإسماعيل وإدريس وذي الكفل وذي النون، وزكريا ويحيى، ومريم.. كما جاء في سورة الأنبياء: (آيات: 48- 91) .
هذه هي أمة «المسلمين» في تعريف الله سبحانه.. فمن شاء له طريقاً غير طريق الله فليسلكه. ولكن ليقل:
إنه ليس من المسلمين! أما نحن الذين اسلمنا لله، فلا نعرف لنا أمة إلا الأمة التي عرفها لنا الله. والله يقص الحق وهو خير الفاصلين..
وحسبنا هذا القدر مع إلهامات قصة نوح في هذه القضية الأساسية في هذا الدين.
ثم نقف الوقفة الأخيرة مع قصة نوح لنرى قيمة الحفنة المسلمة في ميزان الله سبحانه:
إن حفنة من المسلمين من أتباع نوح عليه السلام، تذكر بعض الروايات انهم اثنا عشر، هم كانوا حصيلة دعوة نوح في ألف سنة إلا خمسين عاماً كما يقرر المصدر الوحيد المستيقن الصحيح في هذا الشأن..
إن هذه الحفنة- وهي ثمرة ذلك العمر الطويل والجهد الطويل- قد استحقت أن يغير الله لها المألوف من ظواهر هذا الكون وأن يجري لها ذلك الطوفان الذي يغمر كل شيء وكل حي في المعمور وقتها من الأرض! وأن يجعل هذه الحفنة وحدها هي وارثة الأرض بعد ذلك، وبذرة العمران فيها والإستخلاف من جديد..
.. وهذا أمر خطير..
إن طلائع البعث الإسلامي التي تواجه الجاهلية الشاملة في الأرض كلها والتي تعاني الغربة في هذه الجاهلية والوحشة كما تعاني الأذى والمطاردة والتعذيب والتنكيل.. إن هذه الطلائع ينبغي أن تقف طويلاً أمام هذا الأمر الخطير، وأمام دلالته التي تستحق التدبر والتفكير! إن وجود البذرة المسلمة في الأرض شيء عظيم في ميزان الله تعالى.. شيء يستحق منه سبحانه أن يدمر الجاهلية وأرضها وعمرانها ومنشآتها وقواها ومدخراتها جميعاً كما يستحق منه سبحانه ان يكلأ هذه البذرة ويرعاها حتى تسلم وتنجو وترث الأرض وتعمرها من جديد! لقد كان نوح عليه السلام يصنع الفلك بأعين الله ووحيه، كما قال تعالى: «وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ» ..
وعند ما لجأ نوح إلى ربه والقوم يطاردونه ويزجرونه ويفترون عليه كما قال الله تعالى في سورة القمر:
«كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ. فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ» ..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1892