responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 1877
والمشهد الثالث من مشاهد القصة: مشهد نوح يصنع الفلك، وقد اعتزل القوم وترك دعوتهم وجدالهم:
«وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ: قالَ: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ. فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ» ..
والتعبير بالمضارع. فعل الحاضر.. هو الذي يعطي المشهد حيويته وجدته. فنحن نراه ماثلاً لخيالنا من وراء هذا التعبير. يصنع الفلك. ونرى الجماعات من قومه المتكبرين يمرون به فيسخرون. يسخرون من الرجل الذي كان يقول لهم: إنه رسول ويدعوهم، ويجادلهم فيطيل جدالهم ثم إذا هو ينقلب نجاراً يصنع مركباً..
إنهم يسخرون لأنهم لا يرون إلا ظاهر الامر، ولا يعلمون ما وراءه من وحي وأمر. شأنهم دائماً في إدراك الظواهر والعجز عن إدراك ما وراءها من حكمة وتقدير. فأما نوح فهو واثق عارف وهو يخبرهم في اعتزاز وثقة وطمأنينة واستعلاء أنه يبادلهم سخرية بسخرية:
«قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ» ..
نسخر منكم لأنكم لا تدركون ما وراء هذا العمل من تدبير الله وما ينتظركم من مصير:
«فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ» ..
أنحن أم أنتم. يوم ينكشف المستور، عن المحذور! ثم مشهد التعبئة عند ما حلت اللحظة المرتقبة:
«حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ، قُلْنَا: احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، وَأَهْلَكَ- إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ- وَمَنْ آمَنَ، وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ. وَقالَ: ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها، إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ» .
وتتفرق الأقوال حول فوران التنور، ويذهب الخيال ببعضها بعيداً، وتبدو رائحة الإسرائيليات فيها وفي قصة الطوفان كلها واضحة. أما نحن فلا نضرب في متاهة بغير دليل، في هذا الغيب الذي لا نعلم منه إلا ما يقدمه لنا النص، وفي حدود مدلوله بلا زيادة.
وأقصى ما نملك أن نقوله: إن فوران التنور- والتنور الموقد- قد يكون بعين فارت فيه، أو بفوارة بركانية. وأن هذا الفوران ربما كان علامة من الله لنوح، أو كان مصاحباً مجرد مصاحبة لمجيء الأمر، وبدءاً لنفاذ هذا الأمر بفوران الأرض بالماء. وسح الوابل من السماء.
لما حدث هذا «قُلْنَا: احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ... » كأن نظام العملية كان يقتضي أن يؤمر نوح بمراحلها واحدة واحدة في حينها. فقد أمر أولاً بصنع الفلك فصنعه، ولم يذكر لنا السياق الغرض من صنعه، ولم يذكر أنه أطلع نوحاً على هذا الغرض كذلك. «حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ» .. أمر بالمرحلة التالية..
«قُلْنَا: احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ» ..
ومرة أخرى تتفرق الأقوال حول «مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ» وتشيع في الجو رائحة الإسرائيليات قوية.
أما نحن فلا ندع الخيال يلعب بنا ويشتط حول النص: «احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ» .. مما يملك نوح أن يمسك وأن يستصحب من الأحياء. وما وراء ذلك خبط عشواء..
«وَأَهْلَكَ- إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ-» ..

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 1877
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست