responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 1871
ونبدأ بقصة نوح مع قومه. أول هذا القصص في السياق. وأوله في التاريخ:
«وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ. إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ. أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ، إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ» ..
إنها تكاد تكون الألفاظ ذاتها التي أرسل بها محمد- صلى الله عليه وسلم- والتي تضمنها الكتاب الذي أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير. وهذه المقاربة في ألفاظ التعبير عن المعنى الرئيسي الواحد مقصودة في السياق لتقرير وحدة الرسالة ووحدة العقيدة، حتى لتتوحد ألفاظ التعبير عن معانيها. وذلك مع تقدير أن المحكي هنا هو معنى ما قاله نوح- عليه السلام- لا ألفاظه. وهو الأرجح. فنحن لا ندري بأية لغة كان نوح يعبر.
«وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ: إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ» ..
ولم يقل قال: إني.. لأن التعبير القرآني يحيي المشهد فكأنما هو واقعة حاضرة لا حكاية ماضية. وكأنما هو يقول لهم الآن ونحن نشهد ونسمع. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أنه يلخص وظيفة الرسالة كلها ويترجمها إلى حقيقة واحدة:
«إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ» ..
وهو أقوى في تحديد هدف الرسالة وإبرازه في وجدان السامعين.
ومرة أخرى يبلور مضمون الرسالة في حقيقة جديدة:
«أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ» ..
فهذا هو قوام الرسالة، وقوام الإنذار. ولماذا؟
«إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ» ..
فيتم الإبلاغ ويتم الإنذار، في هذه الكلمات القصار..
واليوم ليس أليماً. إنما هو مؤلم. والأليم- إسم مفعول أصله: مألوم! - إنما هم المألومون في ذلك اليوم.
ولكن التعبير يختار هذه الصيغة هنا، لتصوير اليوم ذاته بأنه محمل بالألم، شاعر به، فما بال من فيه؟
«فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ: ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا، وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ، وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ، بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ» ..
ذلك رد العلية المتكبرين.. الملأ.. كبار القوم المتصدرين.. وهو يكاد يكون رد الملأ من قريش: ما نراك إلا بشراً مثلنا، وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا- بادي الرأي- وما نرى لكم علينا من فضل، بل نظنكم كاذبين.
الشبهات ذاتها، والاتهامات ذاتها، والكبرياء ذاتها، والاستقبال الغبي الجاهل المتعافي! إنها الشبهة التي وقرت في نفوس جهال البشر: أن الجنس البشري أصغر من حمل رسالة الله فإن تكن رسالة فليحملها ملك أو مخلوق آخر. وهي شبهة جاهلة، مصدرها عدم الثقة بهذا المخلوق الذي استخلفه الله في أرضه، وهي وظيفة خطيرة ضخمة، لا بد أن يكون الخالق قد أودع في هذا الإنسان ما يكافئها من الإستعداد والطاقة، وأودع في جنسه القدرة على أن يكون من بينه أفراد مهيأون لحمل الرسالة، باختيار الله لهم، وهو أعلم بما أودع في كيانهم الخاص من خصائص هذا الجنس في عمومه.

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 1871
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست