نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1866
«فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ، إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ» ..
وما أحوجها إلى أن تجد في نفوسها ظلالاً لما كان يجده الرسل الكرام صلوات الله عليهم وسلامه من بينة من ربهم، ومن رحمة لا يخطئونها ولا يشكون فيها لحظة ومن التزام بالمضي في الطريق مهما تكن عقبات الطريق:
«قالَ: يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ؟ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ» ..
إن هذه الطلائع تتصدى لمثل ما كان يتصدى له ذلك الرهط الكريم من الرسل- صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً- وتجد من الجاهلية مثلما كانوا يجدون.. لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى البشرية كلها بهذا الدين فواجهته بجاهليتها التي صارت إليها بعد الإسلام الذي جاءها به من قبل إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ويوسف وموسى وهارون وداود وسليمان ويحيى وعيسى، وسائر النبيين! إنها الجاهلية التي تعترف بوجود الله- سبحانه- أو لا تعترف. ولكنها تقيم للناس أرباباً في الأرض يحكمونهم بغير ما أنزل الله ويشرعون لهم من القيم والتقاليد والأوضاع ما يجعل دينونتهم لهذه الأرباب لا لله.. ثم هي الدعوة الإسلامية للناس كافة أن ينحوا هذه الأرباب الأرضية عن حياتهم وأوضاعهم ومجتمعاتهم وقيمهم وشرائعهم، وأن يعودوا إلى الله وحده يتخذونه رباً لا أرباب معه ويدينون له وحده. فلا يتبعون إلا شرعه ونهجه، ولا يطيعون إلا أمره ونهيه.. ثم هي بعد هذه وتلك المعركة القاسية بين الشرك والتوحيد. وبين الجاهلية والإسلام. وبين طلائع البعث الإسلامي وهذه الطواغيت في أرجاء الأرض والأصنام! ومن ثم لا بد لهذه الطلائع من أن تجد نفسها وموقفها كله في هذا القرآن في مثل هذا الأوان.. وهذا بعض ما نعنيه حين نقول: «إن هذا القرآن لا يتذوقه إلا من يخوض مثل هذه المعركة. ويواجه مثل تلك المواقف التي تنزل فيها ليواجهها ويوجهها، وإن الذين يتلمسون معاني القرآن ودلالاته وهم قاعدون يدرسونه دراسة بيانية أو فنية لا يملكون أن يجدوا من حقيقته شيئاً في هذه القعدة الباردة الساكنة، بعيداً عن المعركة، وبعيداً عن الحركة ... » .
ثم يمضي السياق يواجه الذين يكفرون به ويزعمون أنه مفترى من دون الله، ويكذبون على الله سبحانه وعلى رسوله- صلى الله عليه وسلم- وذلك في مشهد من مشاهد القيامة يعرض فيه الذين يفترون على الله الكذب. سواء بقولهم: إن الله لم ينزل هذا الكتاب، أو بادعائهم شركاء لله. أو بدعواهم في الربوبية الأرضية وهي من خصائص الألوهية.. يجمل النص هنا الإشارة لتشمل كل ما يوصف بأنه كذب على الله.
هؤلاء يعرضون في مشهد يوم القيامة للتشهير بهم وفضيحتهم على رؤوس الأشهاد. وفي الجانب الآخر المؤمنون المطمئنون إلى ربهم وما ينتظرهم من نعيم. ويضرب للفريقين مثلاً: الأعمى والأصم والبصير والسميع:
«وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً؟ أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ، وَيَقُولُ الْأَشْهادُ: هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ. أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ. الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً، وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ. أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ، وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ، يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ، ما كانُوا
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 1866