نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1806
والولد أقرب من يكون إلى العون في هذه الأحوال.
والبشر يستكثرون من المال الذي يجلبونه لأنفسهم بالجهد الذي يبذلونه، والولد يعين على الجهد الذي يجلب المال ...
وهكذا إلى سائر ما اقتضته حكمة الخالق لعمارة هذه الأرض، حتى ينقضي الأجل، ويقضي الله أمراً كان مفعولاً.
وليس شيء من ذلك كله متعلقاً بالذات الإلهية، فلا الحاجة إلى الامتداد، ولا الحاجة إلى العون عند الشيخوخة، ولا الحاجة إلى النصير، ولا الحاجة إلى المال. ولا الحاجة إلى شيء ما مما يخطر أو لا يخطر على البال متعلقة بذات الله تعالى..
ومن ثم تنتفي حكمة الولد، لأن الطبيعة الإلهية لا يتعلق بها غرض خارج عن ذاتها، يتحقق بالولد. وما قضت حكمة الله أن يتوالد البشر إلا لأن طبيعتهم قاصرة تحتاج إلى هذا النوع من التكملة. فهي تقتضي الولد اقتضاء.
وليست المسألة جزافاً.
ومن ثم كان الرد على فرية: «قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً» .. هو:
«سُبْحانَهُ! هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ» .
«سبحانه! ..» تنزيها لذاته العلية عن مستوى هذا الظن أو الفهم أو التصوّر. «هو الغني» .. بكل معاني الغنى، عن الحاجات التي أسلفنا وعن سواها مما يخطر ومما لا يخطر على البال. مما يقتضي وجود الولد.
والمقتضيات هي التي تسمح بوجود المقتضيات، فلا يوجد شيء عبثاً بلا حاجة ولا حكمة ولا غاية. «لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ» . فكل شيء ملكه. ولا حاجة به- سبحانه- لأن يملك شيئاً بمساعدة الولد.
فالولد إذن عبث. تعالى الله سبحانه عن العبث! ولا يدخل القرآن الكريم في جدل نظري حول الطبيعة الإلهية والطبيعة الناسوتية، مما جد عند المتكلمين، وفي الفلسفات الأخرى. لأنه يلمس الموضوعات في واقعها القريب إلى الفطرة. ويتعامل مع الموضوع ذاته لا مع فروض جدلية قد تترك الموضوع الحاضر نهائياً وتصبح غرضاً في ذاتها! فيكتفي هنا بهذه اللمسة التي تمس واقعهم، وحاجتهم إلى الولد، وتصورهم لهذه الحاجة، وانتفاء وجودها بالقياس إلى الله الغني الذي يملك ما في السماوات وما في الأرض، ليبلغ من نفوسهم موضع الاقتناع أو موضع الإفحام، بلا جدل نظري يضعف أثر اللمسة النفسية التي تستجيب لها الفطرة في يسر وهوادة.
ثم يجبههم بالواقع، وهو أنهم لا يملكون برهاناً على ما يدعون. ويسمي البرهان سلطاناً، لأن البرهان قوة، وصاحب البرهان قوي ذو سلطان:
«إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا» ..
ما عندكم من حجة ولا برهان على ما تقولون.
«أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ؟» ..
وقول الإنسان ما لا يعلم منقصة لا تليق. فكيف إذا كان هذا القول بلا علم على الله- سبحانه-! إنه جريمة إذن أكبر من كل جريمة. فهو أولاً ينافي ما يستحقه الله من عباده من تنزيه وتعظيم، لأنه وصف له بمقتضيات الحدوث والعجز والنقص والقصور. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. ولأنه ضلال في تصور العلاقة بين
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1806