نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1743
«لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ، حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ، بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ» ..
ولم يقل: جاءكم رسول منكم. ولكن قال: «من أنفسكم» وهي أشد حساسية وأعمق صلة، وأدل على نوع الوشيجة التي تربطهم به. فهو بضعة من أنفسهم، تتصل بهم صلة النفس بالنفس، وهي أعمق وأحس.
«عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ» ..
يشق عليه عنتكم ومشقتكم.
«حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ» ..
لا يلقي بكم في المهالك، ولا يدفع بكم إلى المهاوي فإذا هو كلفكم الجهاد، وركوب الصعاب، فما ذلك من هوان بكم عليه، ولا بقسوة في قلبه وغلظة، إنما هي الرحمة في صورة من صورها. الرحمة بكم من الذل والهوان، والرحمة بكم من الذنب والخطيئة، والحرص عليكم أن يكون لكم شرف حمل الدعوة، وحظ رضوان الله، والجنة التي وعد المتقون.
ثم ينتقل الخطاب إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم- يعرفه طريقه حين يتولى عنه من يتولى، ويصله بالقوة التي تحميه وتكفيه:
«فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ» .
فإليه تنتهي القوة والملك والعظمة والجاه، وهو حسب من لاذ به وحسب من والاه.
إنه ختام سورة القتال والجهاد: الارتكان إلى الله وحده، والاعتماد على الله وحده، واستمداد القوة من الله وحده..
«وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ» ..
وبعد فإن هذه السورة المحكمة تحتوي بيان الأحكام النهائية في العلاقات الدائمة بين المجتمع المسلم وسائر المجتمعات حوله- كما بينا في خلال عرضها وتقديمها- ومن ثم ينبغي أن يرجع إلى نصوصها الأخيرة بوصفها الكلمة الأخيرة في تلك العلاقات وأن يرجع إلى أحكامها بوصفها الأحكام النهائية المطلقة، حسبما تدل عليها نصوص السورة. كما ينبغي ألا تقيد هذه النصوص والأحكام النهائية بنصوص وأحكام وردت من قبل- وهي التي سميناها أحكاماً مرحلية- مستندين في هذه التسمية: أولاً وبالذات إلى ترتيب نزول الآيات.
ومستندين أخيراً إلى سير الأحداث في الحركة الإسلامية، وإدراك طبيعة المنهج الإسلامي في هذه الحركة..
هذه الطبيعة التي بيناها في التقديم للسورة وفي ثناياها كذلك..
وهذا هو المنهج الذي لا يدركه إلا الذين يتحركون بهذا الدين حركة جهادية لتقرير وجوده في واقع الحياة برد الناس إلى ربوبية الله وحده، وإخراجهم من عبادة العباد! إن هنالك مسافة شاسعة بين فقه الحركة، وفقه الأوراق! إن فقه الأوراق يغفل الحركة ومقتضياتها من حسابه، لأنه لا يزاولها ولا يتذوقها! أما فقه الحركة فيرى هذا الدين وهو يواجه الجاهلية، خطوة خطوة، ومرحلة مرحلة، وموقفاً وقفا. ويراه وهو يشرع أحكامه في مواجهة الواقع المتحرك، بحيث تجيء مكافئة لهذا الواقع وحاكمة عليه ومتجددة بتجدده كذلك!
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1743